373

0

الرياضة المدرسية والجامعية  :  الخزان المهمل والقاعدة المنسية !..؟

 

بقلم مسعود قادري 

 انطلاقا من مقولة لكل حدث حديث ولكل مقام مقال .. واستنادا  إلى ما أفادني به  طالب في  ثانوية عاصمية حول  مكانة التربية عامة  و البدنية الرياضية فيه خاصة، اتضح لي أن عقلية المسيرين في الثانويات ومدربي الرياضة فيها لم تتغير  بل زادت تحجرا على الزمن السابق  رغم إلحاح  المسؤول الأول في الدولة على ضرورة إعادة بعث وتنظيم الرياضة المدرسية والجامعية  لتكون خزانا ثريا لحركتنا الرياضية مستقبلا باعتبار النظام التربوي التعليمي في البلاد يجمع بفضل الله وجهود الدولة  كل أجيال المستقبل من البنين والبنات.

ونظرا للأهمية التربوية والوقائية للممارسة الرياضية في حياة الأمة ومنها حماية الأجيال الصاعدة  وووقايتها من  مخاطر الشارع عامة وما يعرضه من مؤثرات سلبية على حياتهم لاسيما منها المؤثرات العقلية بمختلف أنواعها  .

 لقد علمت من الطلاب الذين يعتبرون حصة التربية البدنية والرياضية بمثابة عطلة إضافية وفرصة للنوم والراحة ، بأن أساتذة المادة يفضلون الراحة وربما الانعزال مع الهاتف أو.. على إجراء حصة تدبير بدني للطلبة او على الأقل حصة تربوية رياضية يتعرف فيها الطلبة على أنواع الرياضات ، قوانينها أخلاقها فائدتها للجسم ومكانتها في العالم عامة والجزائر بالخصوص .

مسؤلو المؤسسات التربوية في أغلبيتهم مع الكثير من لأولياء  لاتهمهم الحصص الرياضية  بل يرتاح الكثير منهم لعدم إجرائها  وربما يتمنى  آخرون  أن تمطر السماء خلال تلك الحصة لإلغائها والاستراحة من وجع الدماغ . 

عندما تبنت الدولة نظام المدرسة الأساسية سابقا ،أكدت على ضرورة توفر الهياكل الرياضية الملحقة  بكل المؤسسات المنجزة بعد صدور النظام المشار إليه ، إلا أن الجزء الأكبر من المنجزات لم تراع تلك الشروط ، بل سلم دون مرافق رياضية وحتى علمية في بعض الحالات ، خاصة التكميليات و الثانويات  ، وإن وجدت هذه المرافق فهي إما نقاصة أو غير مستغلة رغم حاجة الطلبة المهتمين بالممارسة الرياضية إليها.

والمشكل الثاني الذي تعاني منه الرياضة المدرسية بالخصوص هو إصرار الكثير من  الأولياء على حرمان أبنائهم منها بشهادات طبية لأن التربية الرياضية في نظرهم مضيعة للوقت ومعطلة لمستوى الطلبة العلمي ، وهو منطق خاطيء من الأساس .

إلا أن الإدارة لاتنظر لأهمية الرياضة في تكوين النشئ بقدر مايهمها مع  أستاذ التربية البدنية هو اعتبار الشهادة الطبية كدليل لإعفاء الطالب من الممارسة  وهذا يعني أن الرياضة المدرسية والجامعية  علتها في جنبها كما يقول المثل ، فبعض أهلها من الذين كونوا ليقودوا قطار الممارسة ، هم أول من  يفضل التخلص منها وإلغاؤها من البرنامج ليتلقى أجرا لا يعرق من أجله ..؟ !.. والسؤال الذي نطرحه هنا ويعني كل التخصصات  :  " كل مهنة لايدافع عنها أهلها لايمكن أن تنتظر التطور من غيرهم  ..؟

الرياضة المدرسية :  المشتلة التي تنتج الأبطال ..؟

تعتبر الرياضة المدرسية  والجامعية  عند الكثير من الدول التي تهيمن على رياضة المستوى العالي في المناسبات العالمية  وخاصة في الألعاب الأولمبية ، وبطولات العالم المختلفة ، الركيزة الأساسية لتكوين الأجيال عقليا وبدنيا بصقل مواهبهم وبناء أجسامهم وفق التخصصات المختارة  . فالمدرسة هي المشتلة و نقطة الانطلاق لكل عمل تربوي بدني  أو عقلي  ، وبالتالي فلا مناص من إعطائها  أولوية الأولويات في تكوين أجيال المستقبل حماية لهم من كل النقائص التي تعترض حياتهم  أولا، ووقاية لهم من أخطار المحيط التي تحدق بهم لاسيما المؤثرات العقلية التي تنوعت وتكاثرت في وقتنا بالخصوص إضافة إلى كونها ملتقى لتكوين العلاقات والصداقات و" فالعقل السليم في الجسم السليم "...

فالتربية البدنية وسيلة لحماية الصحة الفردية والعامة  ، باعتبار الجسم الرياضي أقل عرضة للتأثر بالعوامل الخارجية لما يكتسبه  من حصانة تقف حاجزا منيعا  ضد الجراثيم والأوبئة..

عند الحديث عن المدرسة ، لا نقصد  طورا معينا من أطوار التربية والتعليم ، بل كل مراحل الدراسة من الابتدائي حتى الجامعي  لأن العمل الذي ينتهي مع طور معين  لا قيمة له مجتمعيا  ولا مخرج إيجابي له إلا في صالح الفرد بدرجة معينة ..؟ !.

   الدول الكبرى التي تهيمن على الألعاب الأولمبية  في كل دوراتها لا تنتج الأبطال لكل الأولمبياد  من المزارع أو المصانع ، لكنها تسهر على تكوينها ومتابعة تطورها باستمرار من أول مراحل الدراسة حتى نهايتها  وعندما يحين موعد المنافسات العالمية يتكون عندها كما هائلا من الرياضيين المتقاربين في المستوى فتنتقي الأفضل منهم لتمثيل البلد في المحفل الدولي  بكل جدارة واستحقاق ودون إجحاف أو تمييز بين هذا وذاك إلا من فرض نفسه في التصفيات  الانتقائية..

 الرياضة المدرسية والجامعية في الجزائر ، كان لها تاريخ حافل قبل عقد التسعينات من القرن الماضي ومالحقه من إهمال للطاقات وتذبذب في البرامج وإبعاد للجانب التربوي بكل أشكاله ومنه التربية البدينة التي لايمكن فصلها عن المنظومة التربوية عامة،  لما لها من فوائد بدنية وعقلية وصحية للفرد والمجتمع كما أسلفنا ... فلو عدنا إلى حقبة السبعينات من القرن الماضي التي ازدهرت فيها الرياضة المدرسية والجامعية وحققت للجزائر نتائج معتبرة في المنافسات المغاربية ، العربية والقارية   علاوة على مشاركة العديد من خريجيها في المنافسات العالمية  المختلفة مسجلين حضورا متميزا ونتائج إيجابية للوطن .. فقد كان طلبة الثانويات في البلد يجرون منافسات دورية بين مؤسساتهم في الثقافة والتعليم وفي الرياضات المختلفة من خلال الدوريات المنتظمة  التي تساهم في صقل المواهب وتوفير الجو التنافسي المساعد على تطوير المهارة ورفع مستوى الأداء .. هذه المنافسات كانت تشرف عليها رابطات الرياضة المدرسية في الولايات وتؤطرها اتحادية وطنية  غابت عن الوجود منذ زمن بعيد ولم يعد لها ظهور،  حتى الفترة الأخيرة عندما قرر السيد رئيس الجمهورية إعادة الاعتبار لهذا النشاط الحيوي والحساس  الذي لايمكن لشبابنا الاستغناء عنه والذي يعد القاعدة الأساسية لبناء حركة رياضية سليمة العقل والبدن والتنظيم  مؤهلة لتمثيل الوطن في مختلف المحافل الدولية وعلى جميع المستويات...

تلاميذنا وطلبتنا كان لهم حضور مميز في الألعاب المدرسية المغاربية  ـ سابقا ـ العربية  والإفريقية والعالمية  وكذلك الألعاب الجامعية العلمية التي تقلص دورنا فيها خلال السنوات الأخيرة لغياب الهيئات المنظمة للمنافسات على المستوى الوطني  لتكون مؤهلا موضوعيا  وإطارا لانتقاء واختيار من يمثل المدرسة والجامعة الجزائريتين في أي محفل  دولي رياضي  خاص بالفئتين ..

 مالذي وقع للرياضة في المدرسة والجامعة ..؟

1ـ على المستوى الجامعي : إهمال غير مبرر ..

 رغم الارتفاع الكبير في عدد الجامعات والطلبة في نفس الوقت حيث تضاعف العدد في الحالتين ـ  الهياكل والتعداد ـ بعشرات المرات أو أكثر عما كان عليه في السبعينيات، إلا أن الإهمال المتعمد للجانب التربوي  بشقية البدني والنفسي جعل الممارسة الرياضية كتربية بدنية لها قواعد وأسس علمية نظرية وتطبيقية  يختصر على المعاهد التي تكون الإطارات الرياضية دون غيرها ، وكأن بقية الطلبة لايحق لهم الاستفادة من حصص في التربية الرياضية باي شكل من الأشكال  فكان هذا الوضع سببا مباشرا في غياب  الرياضة الجامعية عن الواجهة، وبقية ممثلة في اهتمام  بعض الطلبة بهذا النشاط الذي صار مناسباتيا وعفويا  يجمع الراغبين في إجراء منافسات غير رسمية لاتختلف عن منافسات الأحياء إلا فيما يتوفر عليه المرفق الجامعي من هياكل ومنشآت غير مستغلة  ..

 الحل هناهو، العودة إلى التنظيمات الرياضية السابقة وفتح مجال الممارسة الرياضة المنتظمة  وتحت إشراف أساتذة ومدربين مؤهلين لرفع مستوى أداء الطلبة علميا أولا وتمثيل الجامعة  الجزائرية في كل المنافسات العالمية ثانيا .

وللوصول إلى ذلك على الهيئات المختصة بالرياضة الجامعة الإسراع بإحصاء الطلبة الراغبين في الممارسة بكل المراكز والجامعات الجزائرية وضبط قوائم الرياضات الأكثر استقطابا للطلبة  والشروع في بعث منافسات بين الجامعات تساهم في تدعيم التواصل بين  المدن والجامعات وربط علاقات جديدة بين الطلبة تدعم الصفوف وتفتح المجال للتنافس الشريف المؤدي إلى كشف الطاقات الكامنة في كل الرياضات واستغلالها  على مستوى أندية الوطن والمنتخبات الوطنية  ـ المدنية والعسكرية ـ وفي كل الفئات ..

يجب أن تستعيد الرياضة الجامعية مكانتها في البلاد ليس لكونها تمثل استمرارا لمسار الطالب الرياضي القادم من الثانوية فقط ، بل وسيلة للتربية والترفيه والوقاية الصحية المستمرة لشبابنا ومناسبة تملأ فراغ الطلب وتخرجه من الروتين اليومي ليجدد نشاطه وتركيزه أكثر على المكاسب العلمية والدراسية عامة ..

 وخلاصة الكلام، أن المدرسة لايجب ان تبقى مكانا للتلقين فقط ، بل يجب ان تستعيد رسالتها التربوية العامة أخلاقية ، بدنية ونفسية لتساهم بالفعل في تكوين أجيال مكتميلة النمو فعالة ومسؤولة .

كما أن الممارسة الرياضية في المدرسة لايجب أن تبقى ثانوية أو قليلة الأهمية بالنسبة للبرنامج العام . .. ومع احترامنا لأساتذة الرياضة في المدرسة والمتوسطة والثانوية وحتى الجامعة فإن مسؤولياتهم كبيرة في إعادة بعث هذا النشاط وتحسيس  المحيط بأهميته في حياة أبنائنا ...

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services