118

0

الاتجاه العربي الإسلامي الإستقلالي في الحركة الوطنية

جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

الدكتور محمد مراح

مضى تقسيم الحركة الوطنية إلى إتجاهات أنفذها أثرا اتجاهان هما : الاتجاه الاستقلالي { حزب الشعب } والحركة الإصلاحية، لكننا نقرر أن حركة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين حركة إصلاح واستقلال.

 يذهب الدارسون إلى أن ظهور جمعية العلماء، سبقته جهود فكرية وعملية إصلاحية، غير أنها كانت منقوصة من الهيكلة والتنظيم. وتمتد جذور الد عوة إلى الإصلاح إلى السبعينيات من القرن 19، من خلال كتابات عبد القادر المجاوي 1848ــــ1945 ، والذي نشر أفكاره عن طريق المدرسة وتلقاها تلاميذه كابن ابي شنب، 1867 ــــ 1929 وابن الموهوب 1866 . 1939 وابن الخوجة 1865 .1915، كذلك شيوع فكرة الجامعة الإسلامية ووصول رسل السلطان عبد الحميد إلى الجزائر وزيارة محمد عبده للجزائر عام 1905، واقامة وزيارة، علماء ومشايخ الجزائريين للشرق والحجاز .

غير أنه عدا المسألتين الأخيرتين من هذه الجذور الأسباب، يمكن عد العوامل المذكورة قليلة الأثر في ظهور الإصلاح، وحركته النظامية بالجزائر. و عوامل النشأة الحقيقية والمباشرة، فيضبطها على وجه دقيق الشيخ محمد البشير الإبراهيمي( 1889 /1965) على النحو الآتي:

1.فليست مجرد زيارة محممد عبده للجزائر هي التي نهضت بالعلماء الإصلاح، بل الأثر الحقيقي والفعال هو ما ينقل عنه من معجبين وشانئين مخاصمين، في النفوس الضائقة بالواقع المتطلعة لتغييره، يضم إليه فعل (المنار )، وكتب المصلحين كابن تيمية وابن القيم والشوكان.

2.الثورة التعليمية التي أحدثها ابن باديس، وطريقته الجديدة في التربية والتعليم،التي أنتجت الفوج الأول وما تلاه من طلائع العهد الجديد.

3.التطور الفكري الذي بان على الناس إثر الحرب العالمية الأولى، فسقطت من أعينهم كثير من الأوهام التي كانوا يقدسون بعد أن تكالب أصحابها على الدنيا وملذاتها

.4.عودة فئة من الجزائريين من أرض الحجاز بعد تلقيهم العلم، بفكرة إصلاحية ناضجة، متأثرة بقوة وحرارة الإصلاح المنبعث من القرآن والسنة؛ لا بحال غالبة في الحجاز آنذاك. 

فهذه العوامل إن أنبأت عن تأثر حركة الإصلاح للجزائر، بمناخ وحركية الإصلاح التي عمت العالم الإسلامي أنذاك ، إلا أن أصالة الحركة في تفكير زعمائها وآبائهم الإصلاحي يدل عليها بعض العوامل كاعتماد التربية والتعليم مسلكا لتغيير الناشئة، بوصفها عمدة التوجيه –مستقبلا- للمجتمع كذلك إحداث نقلة فكرية متطورة فيه، أصبحت فئات كثيرة منها مستعصية عن الإستدلال بإسم الدين المحرف و المعتقدات الضالة.

وقد نزع هذا الإصلاح المنظم المخطط عن وعي عميق بخطورة الوضع الذي آلت إليه الأمة، لدى رواد الحركة خاصة زعيمها ابن باديس، وهناك وثائق هامة تكشف عن ذلك، منها ما جرى في إجتماع خاص سنة 1928، عرف باسم " اجتماع الرواد " فقد " دعا ابن باديس ثلة من العلماء العائدين من الزتونة، والمشرق العربي لدراسة الحالة الراهنة، والتعاون على وضع خطة عمل لإنقاذ الشعب الجزائري قبل فوات الأوان فاللدعوة جمع منهم ... وألقى ابن باديس فيهم خطابا استعرض فيه الخطة التنفيذية للإستعمار من إغتصاب أرضنا، والدفع بالشعب للسكن في الكهوف والمغاور و الجبال-شغله الشاغل إضعاف الشخصية الجزائرية، وإحلال الشخصية الفرنسية محلها، وعرض سياسة الإستيطان المعروفة والقوانين الجائرة. ثم شبه يوم العلماء أنذاك بموقف طارق بن زياد مع المجاهدين على ربوة جبل طارق، فقال : وأنا اليوم أقول لكم لم يبق لنا إلا أحد أمرين، لا ثالث لهما إما الموت والشهادة في سبيل الله منتظرين النصر الذي وعد الله به عباده المؤمنيين أو الإستسلام، ومد أيدينا إلى الأغلال وإحناء رؤوسنا أمام الأعداء فتكون النتيجة لا قدر الله أن يجري علينا ما جرى ببلاد الأندلس وغيرها من البلاد الإسلامية حين تركت الجهاد واستسلمت للأعداء فأجابه العلماءللإستعداد للأمر الأول وهو التضحية في سبيل الدين والوطن .

  أسفر هذا الإجتماع عن مخطط عمل أهم بنوده هي :

1. تكوين لجنة من العلماء للتسير والتنفيذ.

2.الشروع فورا في إنشاء المدارس الحرة لتعليم اللغة العربية، والتربية الإسلامية.

3 الالتزام بإلقاء دروس الوعظ لعامة لمسلمين في المساجد الحرة، والجولان في أنحاء الوطن لتبليغ الدعوة الإصلاحية لجميع الناس.

4 الكتابة في الصحف والمجلات لتوعية طبقات الشعب.

5إنشاء النوادي العربية للإجتماعات والخطب والمحاضرات.

6 إنشاء فرق الكشافة الأسلامية في كافة أنحاء البلاد .

7.العمل على إذكاء روح النضال في أوساط الشعب في تحرير البلاد من العبودية، والحكم الأجنبي، لأن المبدأ الذي يجب أن نسير عليه هو إتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علم أصحابه أولا، العقيدة والإسلام، ثم سلحهم بالسيوف وأدوات القتال، فكلا السلاحين لا يغني أحدهما عن الآخر .

فأهداف الجمعية –إذن- ومنها جهاد ووسائل عملها المنظم واضحة-على الأقل بالنسبة لقادتها- قبل تأسيسها، مما يفيد أن الإصلاح كان منهجا مُحْكما ،وغاية محددة و وسائل مرصودة، لعمل شُرْع في إنجازه، وما زاد تأسيس جمعية العلماء في الأمر سوى أن ترقى بها إلى مصاف الأعمال التي تحويها القوانين، وتثبتها الإجراءات ثم تسري أعمالا في تطبيقات الأمة، بكيان معروف الاسم محدد المعالم، وإذا صح إعتبار عوامل نشأة الإصلاح المنظمة السابقة الذكر، عوامل داخلية أو ذاتية فهناك أسباب أخرى خارجية عن الحركة، ذهب مؤرخون إلى إعتبارها في تأسيس جمعية العلماء منها:

1؟أن ذلك رد عملي على المؤتمر المسيحي الذي انعقد بالعاصمة ( الجزائر ) في 5/07/1930، وقد حضره مئات من رجال الدين المسيحي من شد البلاد الأوروبية وأعلنوها صليبية جديدة وصرد بمناسبته كبير أصاقفة الجزائرقائلا :إننا لا نحتفل اليوم بمرور مئة سنة على احتلال فرنسا للجزائر، وإنما نحتفل بدخول المسيحية من جديد إلى إفريقيا الشمالية .

2.الوقوف في وجه النخبة المستلبة للثقافة الفرنسية،÷ والمتنكلرة لقيم الأمة المستمدة من الاسلام .

3.رد الفعل على الإحتفالات المئوية.

لكن دون الانتقاص من هذه العوامل ودورها في الدفع بالجمعية إلى هيكل قانوني معلن، خاصة السبب الأخير، لردات الفعل الملحوظة أنذاك في الأوساط الشعبية والسياسية الجزائرية، فإننا لا نراها ترقى لأهمية الأسباب الأولى، المتسقة مع سنة التجديد، التي قضى الله ورسوله أن تشهده الأمة متى أدركها الوهن، وانحطت إلى دركات الجهل والضلال، والفوضى العارمة. صحيح أن الإستعمار أُمُّ كل ذلك، لكننا نعتقد أن الجمعية كانت ستوجد لو أن الأمة أصيبت بهذه النواقص ولا إستعمار هناك، فهي حركة تجديدية تغيرية ، ممتدة الأروقة على جميع مناحي الواقع الجزائري .

كان قادة الجمعية يدركون أنهم يزاولون عملا حركيا بالمفهوم العصري للحركة التي تعني "كل مبدأ تعتنقه جماعة، وتتساند لنصرته، ونشره، والدعاية والعمل له عن عقيدة، وتهيئ له نظاما محددا، وخطة مرسومة، وغاية مقصودة".

قامت هذه الحركة على( الأصول عشرين ) صاغها ابن باديس، ملخصا مفاهيم الجمعية ومبادئها العقائدية، والإجتماعية، والخلقية، والسياسية، والإقتصادية . وهي تمثل المنهج الذي إلتزمته جمعية العلماء في جهادها التغيري عبر المجالات الآتية: 

في المجال الديني: أسسوا المساجد، وكونوا الأئمة والمفتين الذين حافظوا على الإسلام وشريعته وعملوا على العودة بالناس إلى صفائه، واجتهدوا في التأسي بالسلف الصالح.

في المجال الثقافي : عملوا على بعث الثقافة العربية الإسلامية، وإحياء اللغة العربية، وابراز تاريخ الجزائري لصد محاولات التزييف والتحريف، وتحلى هذا المجهود الحضاري في المسجد والمدرسة، والصحيفة، والنادي، والمشاركة في المؤتمرات، والندوات، والتجمعات. 

في المجال الإجتماعي : حاربوا الفساد الإجتماعي، والانحرافات كالخمر، والميسر، والبطالة و الفجور، ونادوا بتحرير المرأة المسلمة، بتعليمها تعليما عربيا إسلاميا كي يتأتى لها تخريج الأولاد والبنات الصالحين والصالحات .

في المجال السياسي : حاربوا الطرقيين المبتدعين الموالين للإستعمار، وهاجموا الإدارة الإستعمارية، وصفوا أعمالها بالوحشية وغير الإنسانية، و أحبطوا مساعي حركة الإندماجيين . والعمل من أجل إتحاد الأحزاب الوطنية الجزائرية .

فما من نشاط من هذه الأنشطة إلا أمكن رده لأصول الحركة العشرين، فإحباط مساعي الإندماجيين –مثلا- من باب إرشاد الضال منهم، والشدة مع المعاند . في المسجد والمدرسة، والصحيفة، والنادي، والمشاركة في المؤتمرات، والندوات، والتجمعات . 

في المجال الإجتماعي : حاربوا الفساد الإجتماعي، والانحرافات كالخمر، والميسر، والبطالة والفجور، ونادوا بتحرير المرأة المسلمة، بتعليمها تعليما عربيا إسلاميا كي يتأتى لها تخريج الأولاد والبنات الصالحين والصالحات .

في المجال السياسي : حاربوا الطرقين المبتدعين الموالين للإستعمار، وهاجموا الإدارة الإستعمارية، ووصفوا أعمالها بالوحشية وغير الإنسانية، واحبطوا مساعي حركة الإندماجيين . والعمل من أجل إتحاد الأحزاب الوطنية الجزائرية . والدعوة للإتحاد الأحزاب الوطنية من باب التآزر عند المصلحة العامة، وتناسى الخلاف حتى تنفرج الأزمة .

ومدار الإصلاح لدى قادة الجمعية –خاصة لدى ابن باديس – اصلاح الباطن باعتباره أساس الإصلاح الإجتماعي إذ الأخلاق تنبع من داخل النفس الإنسانية، والوسيلة هي تطهير القلوب، وتغيير النفوس، مما يؤدي إلى تغيير المؤسسات الإجتماعية .

و يظهر أثر هذا الفقه في الأولويات عند تناول مسألة الجمعية السياسية، " فلم يكن القيام بأي عمل في النظام السياسي أو الإجتماعي ممكنا قبل تحرير الضمائر" ، بتصحيح العقيدة، وإنقاذ الأمة من سطوة الطرائق الضالة، وريقة الجهل والأمية وقد اعتمدت جمعية العلماء في آداء رسالتها، وتحقيق أهدافها الوسائل الآتية:

التعليم بفتح المدارس والمساجد لتعليم القرآن والعربية.

تأسيس الأندية للشباب في الوطن، وفي فرنسا للعمال الجزائريين .

إرسال الوفود التي تجوب البلاد لتبليغ الدعوة، وتنشيط الحركة الإصلاحية .

إنشاء الصحافة الوطنية.

إنشاء الكشافة الاسلامية والهيآت الرياضية والفنية .

وعن دور الأندية، والهدف منها ورد في التقرير الذي قدمه المجلس الإداري بإسم الجمعية إلى الإدارة سنة 1363هـ، ما يلي " جمعية العلماء ترى أن النواب التي أسستها أو تأسسها هي في حكم مدارس التعليم ومكملة لوضائفها لأن طبقات الأمة ثلاث : صغار تضمهم المدارس الإبتدائية وكبار تجمعهم المساجد وشبان تتخطفهم الأزقة وأماكن الخمر، والفجور فإذا أرادت الجمعية أن تقوم بواجبها الديني معهم لم تجدهم في المساجد ولا في المدارس، فمن واجب الجمعية أن تنشط النوادي لتقوم بمهمتها التهذيبية فيها ". 

 يتبع ...

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services