213
0
العمال الجزائريون يحييون اليوم العالمي للشغل
محطة لتقييم المكاسب وتجديد إرادة رفع التحديات
سعيد بن عياد
اليوم العالمي للشغل الموافق لأول ماي هو محطة لتقييم مكاسب العمال وموعد لرفع المطالب الاقتصادية والاجتماعية. يوصف بشكل أخر عيدا للعمال تمتزج فيه الحقوق والواجبات.
في بلادنا دأبت الدولة منذ السنوات الأولى للاستقلال على الاحتفاء بهذا اليوم وتؤكد أدبيات الخطاب السياسي وضع العمال في صلب الاهتمامات وفي قلب الخيارات.
حماية القرار الوطني السيد مهمة الجميع
وفي رسالته بهذه المناسبة العمالية جدد رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون الثقة في العمال الجزائريين الذين يجتهدون في كل القطاعات الإنتاجية والمؤسسات الخدمية باعتبارهم صمام أمان السيادة الوطنية وحماة استقلالية القرار الوطني من خلال الاستجابة الايجابية للأهداف الوطنية العليا التي سطرتها الدولة في كنف الاستقرار.
وتشكل النقابات الشريك الأول لصاحب العمل فهي الآلية المثلى للتعبير عن مطالب العمال والدفاع عن حقوقهم.
لقد تعاظم دور النقابة منذ أن انتقلت الجزائر إلى نظام اقتصاد السوق وطوت عهد النظام الاشتراكي من خلال دستور 1989.
منذ ذلك دخلت المنظومة الاقتصادية كما السياسية في عهد التعددية واقتصاد السوق الذي يرتكزمن حيث القواعد على حرية المبادرة والمنافسة وانسحاب الإدارة من السوق واحتفاظها بصلاحية ومهمة ضبط السوق بما يشمل التصدي للاحتكار ومنع المضاربة وحماية حقوق الأطراف بضمان نزاهة وشفافية قاعدة العرض والطلب.
الراحل بن حمودة الرمز
ومع السنوات الأولى للتسعينات التي تزامن فيها تطبيق قانون حرية السوق تحت عنوان اقتصاد السوق الاجتماعي مع الأزمة السياسية الأمنية العنيفة سجلت انحرافات عديدة استهدفت الإرث الاقتصادي للدولة رافقتها تداعيات اجتماعية سلبية فاقمت من حجم البطالة وانهيار القدرة الشرائية.
لقد ألحقت سياسة الخوصصة ضربة قوية للاقتصاد والجبهة الإجتماعية وان كانت الدولة في تلك السنوات العجاف قد أرست أليات مرافقة مع منظومة قانونية لإمتصاص الصدمة مثل صندوق التأمين على البطالة.
ويسجل تاريخ العمل النقابي مبادرة الاتحاد العام للعمال الجزائريين بقيادة أمينه العام الراحل عبد الحق بن حمودة في هذا الاتجاه بمقاومة مسار ما كان يسمى الإصلاحات الاقتصادية؛ التي بدأت تحت تأثير شروط صندوق النقد الدولي مقابل إعادة جدولة المديونية الخارجية وقد أدت تلك القيود إلى نتائج سلبية مست عالم الشغل ولسنوات حتى كادت المساس باستقلالية القرار الوطني الأمر الذي قاومته الجزائر بكل ما تطلبه من تضحيات وصبر وتحمل.
وكان العمال خاصة في القطاعات الإنتاجية الحيوية في طليعة الدفاع عن البلاد بالتواجد في مواقع العمل وتحدي الظاهرة الإرهابية وحماية وسائل الإنتاج.
مواجهة التحديات بالعمل الدؤوب
الوضع اليوم مقارنة بتلك العشريات منها التي طبعها الفساد وتغول العصابة أفضل بكثير فقد توقف حل المؤسسات وتحسن مؤشر الاستثمار وتدعم جهاز الحماية الإجتماعية.
الخيارات الكبرى التي سطرتها الدولة للنهوض انطلاقا من قواعد صلبة ومفاهيم صحيحة تضع عالم الشغل في طليعة القوى الحية التي يراهن عليها في مواجهة التحديات بالعمل والابتكار والمبادرة.
وفي هذه المعركة يمثل الشباب العنصر الفاعل لكسب الرهان، خاصة وأن الظرف جد موات لتفجير الطاقات الكامنة سواء في المؤسسات أو الجامعات أو مشاريع الاستثمار بما في ذلك تلك القائمة على الشراكة الأجنبية في مجالات الصناعة والفلاحة والسياحة والتكنولوجيات الحديثة.
الحوار الاجتماعي صمام أمان
حقيقية يتسم عالم الشغل باستقرار ، غير أنه يتطلب مزيدا من التعزيز مع تكريس أسلوب الحوار الاجتماعي على مختلف المستويات خاصة على مستوى القاعدة حيث تنتج القيمة المضافة وتواجه الصعوبات.
ويترجم الحوار الاجتماعي من خلال التمثيل النقابي الشفاف والمسؤول بحيث يتطلب العمل النقابي السليم التشبع بالقيم النقابية الأصيلة التي كتبها مؤسسو الاتحاد العام للعمال الجزائريين بالدم والعرق في السنوات الصعبة.
لذلك يتحمل من له صفة نقابي مسؤولية أداء الواجب النضالي لصالح العمال والمؤسسة وبالنهاية لصالح الاقتصاد الوطني.
لقد دفع الاتحاد العام للعمال الجزائريين في السنوات العجاف التي فجرت الحراك ثمنا باهظا الحق الضرر الكبير بسمعته وتاريخه بسبب انحرافات خطيرة على مستوى القيادة وبعض القواعد بعد أن تسلل إلى مراكزها فساد بائن.
واليوم يقف ذات الاتحاد أمام امتحان صعب بين التجدد والعودة الى أصول العمل النقابي والتزام الشرعية او اضاعة فرصة قد لن تتكرر ومن ثمة يمثل احترام القوانين الأساسية واعادة البناء على أسس صلبة التحدي الكبير في وقت توفر فيه الدولة المناخ الايجابي كما يعرضه المشهد العام.
العمل النقابي سلوك مواطنة
وهنا ينبغي التنويه بالنقابيين الذين يحرصون على القيام بمهمتهم النضالية دون التقصير في العمل أو استغلال الصفة لقضاء مصالح خاصة دنيئة او ممارسة ابتزاز ومتاجرة، فلهؤلاء النقابيين المخلصين كل التقدير إذ يصنعون الفارق مقارنة بمن تلوثوا بشتى أنواع الفساد الذين يشكلون عائقا أمام الديناميكية الاقتصادية والاجتماعية.
إن عوامل إنجاز وثبة جديدة على طريق النمو جاهزة ويمكن تحويلها إلى محفزات لتعزيز المناخ الايجابي في عالم الشغل الذي يتطلع إلى مزيد من الارتقاء المهني والمكاسب الإجتماعية مع توسيع نطاق التمثيل النقابي ، خاصة في فضاءات القطاع الخاص ومؤسسات الشراكة الأجنبية مع تحسين التكوين النقابي ليس لصناعة أدوات طيعة إنما لتأهيل نقابيين يفقهون التشريعات المنظمة للعمل والحماية الإجتماعية ويجيدون الحوار داخل المؤسسات ويدركون الصعوبات والتحديات والمخاطر التي تهدد الاستقرار.