135
0
يا أصدقائي

بقلم: ناصر عطاالله
مَنْ ماتَ مِنكُم يا أصدقائي
مَنْ أخَذَ الماضي مِنْ جَيْبِ قَميصي
وتَرَكَ لي اتساخَ القُبَّة
وبُقْعَةَ القهوةِ المُرَّة
مَنْ مِنكُم تَرَكَ المقعدَ الناشِفَ
قُبَالةَ الجُندي المجهول
وهوَ غائبٌ مُنْذُ السقُوطِ الأوَّلِ
مَنْ مِنكُم رَمَى الطُرُقاتِ في وَجهي
وتَرَكَ اللّيلَ يجلِدُني
والسماءَ الواطئَةَ تَسْبَحُ في ضلوعي
وأنا أبحثُ عَنكُم
وأسأَلُ النادِلَ سَميرَ
صَاحبَ السّحنَةِ المُريبَةِ
صدَّقَتُ الموتَ عندما عرفَتُ أنَّهُ
أخذَ سَمِيرَ أيضاً
ولمْ أُصَدِّقِ الحاضِرينَ الجُدُدَ
الحَفْرَ، الأتربَةَ، الوَحْلَ
وَهُرُوبَ الممرَّاتِ
والأَزهارَ
والمقاعِدَ
ونَوافيرَ الماءِ العَطْشَى
وكلامَنَا الذي تَرَكْناهُ على المَطارِح
نَعَمْ صدَّقَتُ كُلَّ هذا الدَّمارِ
الذي جاءَ لِيُبْلِغَني
أنَّكُمْ أصبحتُمْ يا أصدِقَائي
شُهَداءَ
وأنَّ الجُنديَّ المجْهولَ
تمَّ العثورُ عليهِ
وتَمَّ دَفْنُهُ مَعَكُم؛
سَلِيمْ
عُمَرْ
بَسَّامْ
عِصَامْ
وآخرونَ تَعَفَّفوا عن جَلَساتِنا
لكنَّهُمْ لمْ يرموها بِرَجْمٍ ولا شتائِمَ
سأخُرْجُ شَجرَةَ الزينةِ؛ السورَ مِنْ روحي
وسأزرَعُ بجوارِها الريحانَ لأرْواحِكُمْ
سأبكي على المدينةِ المنْكوبَةِ
التي لَمْ تَتَحَمَّلْ غِيابَكُمْ
وذهَبَتْ مَعَكُمْ
كَحَجَرٍ كَرِيمٍ
عَلَّقَتْهُ حَسْناءُ بَكْر على صدْرِها
وتَركَت الرياحَ تَنْشُدُ عَزْفًا صَاخِبًا
لِمَوْكبِ الرحيلِ المُقَدَّسِ والفاجِعَة.