279

0

فوبيا الإمتحانات...ظاهرة تتجدد نهاية السنة الدراسية تحول البيوت إلى معسكرات

تعلن الأسرة الجزائرية مع اقتراب موعد الامتحانات، حالة طوارئ  بين القلق و التوتر و الضغط و الهلع، الذي يسود أرجاء المنزل فيتحول لمعسكر صارم القواعد ، تكون فيه الأم القائد الأعلى للتوجيه  و التوبيخ و السيطرة المطلقة دون رد الاعتبار للاحتضان النفسي.

شيماء منصور بوناب

وبذلك أصبح موعد الاختبارات متلازم مع مصطلح جديد النشأة من حيث المفهوم ، يلخص ما يمر به التلميذ في تلك الفترة تحت عنوان " فوبيا الامتحانات" الذي يعد حالة نفسية تتداخل فيها عدة اضطرابات و أعراض جسدية  ونفسية وتكون المسبب الرئيسي للفشل و السقوط الدراسي.

فوبيا الامتحانات ..... كابوس العصر

ومن خلال هذه التقرير سنتناول  أسباب و أعراض هذه الفوبيا التي ذاع صيتها مؤخرا بين أبنائنا و طلبتنا محاولين إيجاد الحلول اللازمة للتخلص منها، وفي ذلك كان لقاؤنا مع المستشارة التربوية و الأسرية نايت مسعود فاطمة،  التي تطرقت في البداية، لمفهوم توتر النجاح و القلق الذي يعد  أمر عادي يظهر عند التلاميذ في فترة الامتحانات  ،يأخذ شكل المنبه  الذي يبعث رسالة  تحذيرية للطالب من اجل بداية المراجعة و التركيز أكثر.

 لكن اذا زادت حدة التوتر و الخوف يصبح كناقوس خطر قد يتحول إلى فوبيا خاصة بالامتحانات حالها حال فوبيا الظلام و فوبيا القطط و فوبيا التواصل مع الناس و غيرها من الأنواع التي تجعل الانسان منغلق داخل أفكاره حبيس لذاته .

موضحة، أن فوبيا الامتحانات تحدث لدى التلميذ تغييرات كبيرة على مستوى الجسد و النفس و الادراك، مصاحبة لأعراض نفسية و ذهنية و سلوكية تضعف التلميذ وتجعله في حالة تآكل من الداخل في شكل لا واعي .

وفي حديثها عن مظاهر الإصابة النفسية و الذهنية  ، قالت أن التلميذ دائما ما يشعر بالفشل و الخوف قبل الامتحان مع تشويش ذهني تجعله يعتقد انه غير قادر على تذكر ما حفظه وراجعه مع عدم القدرة على التركيز بسبب الإرهاق النفسي، بينما الاعراض الجسدية فتأخذ شكل القشعريرة و القولون العصبي مع تسارع ضربات القلب و ألم في المعدة مصحوب بالشعور بالغثيان.

ومن بين الحالات التي مرت على الكوتش ، تقول" جاءتني تلميذة مجتهدة تعاني من الخوف و الهلع  الذي جعلها تعتقد أنها مصابة بالعمى عندما دخلت قاعة الامتحانات التي تنظر لها  و كأنها  في سجن لا مفر منه ".وهو ما يوضح  أن فقدان الرغبة و القدرة في الإجابة  في الامتحانات تكون دائما نتيجة التداعيات النفسية.

مشيرة أن التخيلات النفسية التي ينسجها العقل الباطني للإنسان، تولد القلق المشحون بإيحاءات سلبية حول الفشل والخسارة رغم الاستعداد الكامل للطالب فيصبح خاضع لتلك الأفكار و التخيلات السلبية التي  تأخذه بعيدا عن الواقع.

فاللاوعي يبرمج الانسان لسلوكيات خاطئة بحكم تكرارها في الذهن بشكل غير إرادي يحول أسباب الخوف الى حقيقة وهمية  يصعب التخلص منها، فتكرار نفس الامر مثل "انا غير قادر .....انا غير جاهز و لست كفيل باجتياز الامتحان" كلها عبارات تغرس الإحباط في الذات وتعطل كل ادراكات التلميذ قبل وصوله لقاعة الامتحان.

وتابعت خمسين بالمئة من أسباب الفشل هي الخوف و الشعور بالهلع و الرهبة التي تبرمجها الأفكار الدفينة داخل الذهن ، ومثال ذلك استذكر حالة مرت عندي هذا الأسبوع لتلميذ متفوق معدله دائما لا يقل عن 17 من 20 لكن  ترسخت في ذهنه  فكرة "انا متوتر و غير قادر على النجاح "، تكرار هذه العبارات امامه وضعه  أمام نهاية مسدودة لا يعرف الخروج منها.

 وبذلك فإن استدعاء الفشل المسبق له تأويلات جسدية  كثيرة،  غالبا ما تظهر في شكل  غشاوة في العين  والتعرق المفرط و ارهاق  مع حرارة وحتى هناك من يعاني من الكوابيس إلى أن يصل الأمر إلى  الشعور بالاحتضار و الموت ، وكل ذلك فقط بسبب غياب ثقافة الاحتضان النفسي من قبل الاسرة ثم المحيط المدرسي.

ونبهت      أن  الانسان قد  يعيش حالة  من الخوف في فترة  سابقة ، لكن مع مرور الوقت  يجهض  و يختفى هذا الخوف في أعماق الذات، لكن و بسبب الإهمال النفسي يعود في شكل ضغوطات و قلق هستيري يتجسد على هيئة  مرض عضال يعجز عن تفسيره، وهو الحال عند أبنائنا التلاميذ اليوم، فكم من حالة مرت بي بسبب هذا الإهمال الذي أنصح الأمهات و الأباء على تداركه قبل فوات الأوان.

 من بين الأسباب الأخرى التي تعزز التوتر و الخوف هي مع الأسف " الدروس الخصوصية"، التي تولد في التلميذ الشعور بالعجز وانه غير قادر على إتمام برنامجه فتجعله يركض  في دوامة لا متناهية  بين الدعم و المراجعة و كثافة الدروس إلى أن ينتهي به المطاف بعيد عن مقاعد الدراسة وهي ظاهرة جديدة لم نكن نشهدها من قبل، إذ  ان الأستاذ كان كفيل بتوجيه التلميذ و تقديم الدعم له دون الحاجة لأساتذة الدعم.

 في ذات الشأن، نلاحظ أن تلاميذ اليوم يهملون عنصر مهم جدا، وهو الاستعانة بالله ، فيركزون على قدراتهم فقط دون الثقة في الله عز وجل بأنه ملكوت كل شيء و القادر على كل شيء، عندها فقط يتملكهم  الشك  و يخلق الضياع   بداخلهم  الذي يرفع مستوى التوتر و الرهبة.

 

الحب المشروط ...... آلة ضاغطة تنمي الشعور بالخوف و الهلع 

في سياق ذو صلة، لفتت الاستشارية ، إلى  تحول الأولياء لآلة ضاغطة،  بسبب اهتمامهم  بالدراسة أكثر من المعقول وكأنها كل شيء، و بالتالي هذا الاهتمام ينتقل للتلميذ في شكل ثقل لا يقدر على حمله و ما يزيده قوة هو البحث عن العلامات العالية و المثالية دون مراعاة  لمستوى كل طفل و قدراته العقلية و الادراكية.

رغم أنها ممارسات قد تبدو عادية في البداية لكن تكرارها يوميا يصبح أمرا مرضيا للطفل يبرمجه على التوتر و القلق و الخوف من الرسوب و من ردة فعل ولى أمره.

 وحسب ما أوضحته ذات المتحدثة، فإن هذه الظاهرة تقترن بمفهوم "الحب المشروط " الذي يطبقه الأولياء  حين يوفرون كل الظروف و يقدمون كل الاحتياجات للطفل بشرط النجاح بمستوى عالي، هذا الامر مع الأسف يعد ظاهرة سلبية ذاع صيتها بين الأسر الجزائرية

فبعد توفير كل هذه الاحتياجات لا يتحصل الطفل على علامة كامل او مثالية  ترضي عائلته، حينها يبدا كابوس اللوم و الضغط بعبارات سامة تتناقلها الام و الاب و في بعض الأحيان الاخوة الأكبر سنا.

وتابعت ،تحقيق الرضى للأولياء بعد كل ما قدموه من حب مشروط يجعل من التلميذ اكثر توترا في فترة الامتحانات ، وبحكم خبرتي في مجال التعليم  التي تزيد عن 30  سنة، يمكنني أن أقول أن هذا الحب المشروط يكاد يكون المدمر الرئيسي للأبناء الذين يصبحون على غير طبيعتهم حين تقترب الاختبارات و منهم من يصاب بنوبة هلع و يفقد السيطرة على نفسه داخل قاعة الامتحان وكثيرا ما شاهدت ذلك مع الاسف.

وبالحديث عن تداعيات هذا الحب، ذكرت نايت مسعود،  حالة كانت قد مرت بها  لطفل يدعى رائد  مشتت الذهن منعدم التركيز يعيش في  ضغط بسبب والده الذي قدم له كل ما يحتاجه للدراسة و التعلم لكن جعله مرهون بنيل علامة كاملة في الرياضيات و الفيزياء.

وأضافت ، الرهان الذي وضعه الوالد جعل رائد متخوف من المواد العلمية يكرهها و ينفر منها و غير قادر على فهمها فقط بسبب خوفه من والده اذ لم يتحصل على معدل ممتاز في تلك المواد.

 بين اللوم و الاحتقار ...دور الأستاذ في تثبيت عزم  التلميذ وثقته

  في منحى آخر، عرجت الاستشارية  لعلاقة الأستاذ بتلاميذه ، و التي من المفروض  أن تكون قائمة على الاحترام المتبادل و التحفيز الإيجابي ، لكن مع الأسف نجد بعض الأساتذة سامحهم الله يتخذون من التوبيخ و اللوم أداة للتلقين و التعليم ، ربما بحكم افتقارهم للتكوين السليم و قلة خبرتهم في التواصل البناء.

وعلى ذلك نجد أن وزارة التربية الوطنية وضعت قوانين صارمة تنصف التلميذ في القسم و ترفض كل اشكال التوبيخ العنيف لفظيا و جسديا و كل ما تعلق بالممارسات الدنيئة المرافقة للاحتقار.

  ومنه توضح، العنف اللفظي الذي يقوم به الأستاذ مثل " انت غبي انت ضعيف" يفقده ثقته بنفسه  فيصبح بلا شخصية وغير قادر على المواجهة او التواصل مع غيره.

 كما نلتمس عند بعض الأساتذة حب المقارنة بين التلاميذ مثل " اخوك درس عندي سابقا لماذا لست مثله متفوق أو زميلك ذكي و فطن و ليس  بمثل تفكيرك" .....  هذه البرمجة السلبية تصبح عقدة نفسية عند الطفل أو التلميذ فلا يستطيع النجاح في دراسته و قد يتعدى الأمر الى أن يصبح فاشلا خارج أساور المدرسة في حياته اليومية.

مقابل ذلك ، نجد بعض الأساتذة الأكفاء يحاولون منذ بداية السنة غرس الكلمة الطيبة في تلاميذهم مع تحفيزهم بشكل إيجابي يعزز الثقة في نفسهم كما يحببهم في المادة التي يتخصص فيها.

اختيارات التوجيه العلمي ... نقطة تشويش وتوتر للتلاميذ

بدوره أوضح حميد سعدي رئيس الاتحاد الوطني لأولياء التلاميذ،  أن الرهبة من الامتحانات تسبقها بعض الإشكالات التي تحوم حول الطالب منذ بداية دراسته، خاصة ما تعلق بمحور التلقين الذي يعد ركيزة هذا التوتر الذي يولد الإحباط ، باعتبار أن التلقين النمطي المتوارث،  يغرس في ذهن التلميذ تركيبة معينة من الإجابة الاعتيادية التي لا تفتح آفاق التفكير المنطقي.

مركزا على أهمية التوجيه العلمي الذي  يغفل عليه الكثير من التلاميذ  في طورهم النهائي، خاصة من لا يدركون قدراتهم ، ومستواهم الحقيقي فنجدهم يتخبطون بين التوجهات العلمية و الأدبية دون دراية محكمة بما قد يختارونه.

هذا التشويش يخلق بذاتهم نوع من القلق و التوتر الذي تزداد حدته كلما اقترب موعد الامتحان الذي يتزامن مع تزايد رغبتهم في الغياب كنوع من التسرب المنتشر عند تلاميذ النهائي يتخذونه كتقليد أعمى لتصرفات صبيانية عقيمة.

وفي هذا الصدد نوه لدور المستشار التربوي في التخفيف من حدة التوتر الذي يصاحب التلميذ في فترة اختياره للتخصص الذي يلائمه، مؤكدا ان التوجيه و المرافقة، تكون منذ بداية السنة و ليس في الفصل النهائي وهو ما يغفل عليه الكثير من المستشارين مع الأسف.

وبالنسبة للبرامج التربوية و التعليمية ، قال سعدي أنها بحاجة ماسة للتعديل و التحيين بما يستجيب للواقع العصري، فكثرة الدروس و تشعب المناهج يعد من بين أبرز الأسباب التي تخلق الرهبة و الخوف و الهلع للتلاميذ، الذين يجدون أنفسهم وسطة كومة من الدروس المتراكمة دون تنظيم سلس.

واقع الأسرة الجزائرية في فترة الامتحانات

وبالعودة لواقع الأسرة الجزائرية في فترة الامتحانات،  تفيد الكوتش نايت مسعود أن المنزل يصبح كمعسكر بمعنى الكلمة تبدأ فيه المعاملات الصارمة و الممارسات الشديدة وكأن التلميذ على مقربة من اجتياز امتحان مصيري إما الحياة أو الموت .

في حين من المفروض أن يكون  المنزل في فترة الامتحانات  فضاء للراحة بعيدا عن ضغط المدرسة، كما حبذا ولو تخصص في تلك الفترة ساعات للتنزه او لممارسة الرياضة لكي لا يقع الأطفال في فخ التوتر و القلق المفرط فمن الأفضل ان نغرس في ذواتهم الشعور بالرضى و الراحة تجاه أي علامة يتحصلون عليها بيقين تام ان ما تحصلوا عليه هو مشيئة الله وحدة وذلك طبعا بعد الاخذ بالأسباب و المراجعة،" تضيف الاستشارية".

كما تشير لنقطة أخرى قد تغفل عليها الام وهي اعداد الاكلات الصحية  تكون مرفقة بالمكسرات او الفواكه و كل أنواع الخضروات الطازجة مع الابتعاد عن الاكل الدهني الذي  يكون سبب في الخمول والكسل.

 فضلا على ذلك، حبذا ولو تعزز الام طاقة ابنها بكلمات محفزة مثل " انني احبك بدون شروط و انا اتمنى ان تنجح .... هذا النجاح يعود  لنفسك ... أنا على يقين انك قمت بمجهودك كامل... ستضل إبني الذي أحبه بغض النظر عن النتيجة التي تتحصل عليها." كلها عبارات تنمي قدرات الطفل وتجعله يشعر بالراحة والسكينة.

نصائح وارشادات قبل الامتحانات

وباعتبارها عضو مؤسس في جمعية  سبل الخير،  قالت نايت مسعود أنها تعمل رفقة بعض الأساتذة على تخصيص ساعات  إضافية لمرافقة التلاميذ ومساعدتهم على التخلص من مخاوفهم  عبر جلسات صراحة  فردية تقرب التلميذ من أستاذه كما تخلق عنده نوع من القرب و الثقة المتبادلة.

 مؤكدة أن  هذه الجلسات ، تقوم بتعزيز نقاط القوة لدى التلميذ وتبعد عنه التفكير السلبي من خلال  ممارسة التخيل الإيجابي  ووضع افتراضات  محفزة  للنجاح .

وفي نصائحها ، للتلاميذ  شددت على ضرورة التفريق بين  القلق العادي و القلق المفرط  لتفادي الصدمة في الامتحانات  وذلك في سياق تقبل الخوف دون تضخيم الأمور .

بالإضافة إلى تجنب التخيل السلبي كما سبق و تفصلت فيه،  بالاعتماد على التنفس و الاسترخاء  اربعة شهيق وأربعة زفير  بنفس الطريقة  مع  خلق تصورا ت ذهنية قبيل الامتحانات  ترمز  للنجاح و التفوق. ذلك دون البحث عن الكمال  و المثالية، في التحصيل العلمي انما الأيمان بالقدرات الذاتية، وتقبل الاختلاف  بين  المستويات للتلاميذ.

كما ننصح التلاميذ بالابتعاد عن الهواتف و مواقع التواصل الاجتماعي  للتخفيف من حدة التوتر وتجنب أي اشاعات حول المواضيع المقترحة اذا كانوا من أصحاب الامتحانات النهائية.

في ذات الصدد لابد من تخصيص فترة راحة وأخذ قيلولة باليوم  لان كثرة السهر و القيام بالليالي البيضاء يحفز معدل التوتر و يزيد من الضغط و الهلع.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services