56

0

رامز… نادته أمه من الحلم فارتقى إليها شهيدًا

في المساء الذي سبق الشهادة، مشت روحه على رؤوس أناملها، كأنها على موعد لا يُخطئه القدر...في تمام الساعة الثامنة من مساء يوم الأحد، ودّع الشهيد رامز طلعت محمد عودة أفراد أسرته، وتوجه من مخيم النزوح، حيث يقيم مؤقتًا منذ تهجيره من مخيم جباليا، إلى النصيرات برفقة صديقه ثائر أبو دلاخ، في زيارة بدت عادية لصديق، لكنها كانت أول خيط في قصة رحيله الكبير.

وفي صباح اليوم التالي، الاثنين 28 تموز/يوليو 2025، توجّه رامز مع صديقه ثائر إلى مركز توزيع المساعدات في النصيرات، باحثين عن ما يسد الرمق في زمن الحصار والمجاعة، علّهم يجدون شيئًا يُطعم الأطفال الجوعى.

ولكن... ما إن دلفا إلى المكان حتى أمطرته رصاصات الغدر بكثافة، وأصابته رصاصة متفجرة غادرة في رأسه، فتقطّع الشريان، وتدفّق الدم كما يليق بدم الشهيد… نزفَ لأكثر من أربع ساعات متواصلة على الأرض، بلا مغيث، حتى وصل الإسعاف متأخرًا.

تم نقله أولًا إلى مستشفى العودة، ثم إلى مستشفى الأقصى… وكان الي جوارة في المستشفي كلا من محمد شقيقة وزوج أختة هيثم وحسام وأبناء عمه ، بعد صراع مؤلم مع الإصابة، ارتقى رامز شهيدًا في تمام الساعة 11 ظهرًا، تاركًا خلفه دموعًا لا تجف، ووجعًا لا يُوصف، وألمًا يسكن القلوب جميعها.

ولم يُدفن في مقبرة عائلته كما تمنّت والدته الراحلة، بل وُورِيَ الثرى مؤقتًا في دوّار حسبة السمك المحاذي لشاطئ بحر غزة… ولكن روحه حلّقت عاليًا إلى السماء، حيث نادته أمه في المنام قبل يوم من استشهاده، فقال لصديقه: "أمي إجتني بالمنام وقالتلي تعال عندي يا رامز…" وكأنه سمع النداء، وأجاب النداء، ولبّى الدعوة السماوية بصدرٍ عارٍ وقلبٍ ممتلئ بالإيمان.

وفي لحظات الشهادة، طلب أن يُكلم ابنته نجاح، نطق باسمها… ثم ارتقى شهيدًا بعدها مباشرة.

 

" من هو رامز؟ " رامز، الشاب الأنيق، الوسيم، الجنتلمان، صاحب الابتسامة النقية، والقلب الأبيض. وُلد في كنف عائلة فلسطينية مناضلة، يتيم الأبوين، فوالده المرحوم طلعت محمد عودة، ووالدته الراحلة نجاح إبراهيم فودة، وهو ابن أختي الغالية، وسندٌ لعائلته بعد رحيل والديه.

درس في مدارس الفاخورة التابعة لوكالة الغوث، وتزوّج من السيدة روان، وأنجب طفلين جميلين أطلق عليهما اسمي والديه: نجاح وطلعت، فحمل الأسماء على كتفيه كما يحمل الحنين.

كانت علاقته بأصدقائه وفية لا تنكسر، ومن رافقوه في ساعات الوجع والرصاص: معتز الضاش – نصر الله جحا – خميس نوفل – ثائر السواركة – أدهم نوفل – محمد أبو عرقوب، وقد دخلوا سويًا منطقة "نتساريم شرق البريج" لجلب المساعدات من مؤسسة غزة الأمريكية، التي لم ترَ فيهم إلا أهدافًا متحركة.

" دموع النساء وغصة الرجال " رامز، كان سندًا لأخيه محمد، ولأخواته: رندة، سماهر، رموز، هديل… عند سماع خبر استشهاده، أغمي عليهن واحدةً تلو الأخرى، فالوجع لا يُحتمل، والغياب لا يُعوّض. هو الذكر الوحيد المتبقي، سند العائلة وأمانهم بعد فقدان الأب والأم.

حضر مراسم التشييع والدفن المؤقت في بحر غزة كل من: عمه أبو رفاعي، وزوجته، وبناته، وأبناؤه، وزوجة الشهيد روان، وطفلاه نجاح وطلعت، وأبناء عمومته، وبنات عماته، وأزواج أخواته: محمد أبو ياسر، وليد أبو مؤيد، هيثم أبو براء، حسام… كانوا جميعًا شهودًا على فداحة الفقد، وانكسار العائلة.

 

" ماذا ترك لنا رامز؟ " ترك لنا دمًا على الأرض…وذكرى عطرة لا تزول.

ترك وصية غير مكتوبة لأطفاله… بأن يعيشوا بكرامة.

ترك قلوبًا مكسورة، وعينًا دامعة، وفؤادًا لا يتوقف عن النشيج.

استشهاد رامز… كسرٌ في ظهر أخيه محمد، ووجعٌ لا يُداوى في قلوب زوجته روان وأطفاله نجاح وطلعت، وأختي نجاح (أمه) التي استقبلته في الحلم واحتضنته في الآخرة.

 

" الوداع الأخير " نم قرير العين يا رامز… نم كما يليق بالشهداء، يا من أحببت الحياة لعائلتك فوهبت روحك من أجلهم.

نم يا من لبّيت نداء أمك، وكأن السماء كتبت موعدك الأخير.

يا شهيد لقمة العيش… يا ابن جباليا… يا ابن غزة… يا نازحًا في مخيمات الصبر، وبطلًا في معركة الصمود… يا من ارتقيت والكرامة على جبينك.

سيبقى اسمك محفورًا في الذاكرة، ما دام فينا نبض، وما دام فينا كرامة.

بقلم: سامي إبراهيم فودة 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services