45
0
وردة في زمن الحرب
.jpg)
بقلم أسيا أحمد علي
تمرّ الأيّام، تتراكم الأسابيع، وتتعاقب الشهور… وهي ما زالت لا ترى حبيبها.
ذلك الرجل المختلف عن باقي الرجال، رجل مناضل، رجل عسكري، حمل روحه على كفّه وخرج إلى ساحات النار. لم يعرف للنوم طريقًا، ولم يذق طعم الراحة منذ أن اشتعلت هذه الحرب اللعينة.
كلّما سنحت له لحظة من الزمن، أرسل إليها رسالة قصيرة، كلمات قليلة لكنها أثقل من الدنيا بما تحمل من أمل ووجع. يكتب لها من بين الأنقاض، من قلب الدخان، من خطوط المواجهة… يكتب ليقول لها: "أنا بخير."
لكنها تعرف جيّدًا أنّه يتألم، وأن قلبه مثخن بالجراح وهو يساعد الناس، يحميهم، ويمدّ لهم يده قبل أن يمدّها لنفسه.
هي في المقابل، لم تترك له لحظة دون دعاء. كل يوم ترفع يديها للسماء ترجوه أن يعود سالمًا، أن تكتحل عيناها برؤيته من جديد.
وحين تشتاق أكثر من اللازم، تكتفي بأن تراه في حلمها… يأتيها بابتسامة متعبة، يحمل وردة حمراء كأنها وردة حورية، ويهمس في أذنها:
"لا تفقدي الأمل… كوني قوية… ساعدي الناس."
ومن كلماته، استمدّت قوتها. لم تعد تلك الفتاة التي تنتظر فقط، بل أصبحت هي الأخرى مناضلة بطريقتها: تساعد من حولها، تمسح دمعة طفل، تحتضن أم ثكلى، وتزرع الأمل في قلوب مَن حولها. صارت صورة مصغّرة عن كل فلسطينية، امرأة تتعلّم كيف تجمع بين الحب والصبر، بين الوجع والقوة، بين الانتظار والعمل.
الفلسطينية دائمًا هكذا…
تصنع من غياب الحبيب حضورًا، ومن الفقد بطولة، ومن الدمار حياة.
هي ليست امرأة عادية، هي وطن يمشي على قدمين، قلبه مليء بالجرح لكنه ينبض بالصمود، ولسانه يلهج بالدعاء، وعيناه لا تفقدان الأمل.