193

0

نتقن الحياة في حطامنا

 

 

بقلم الأديبة :  قمر عبد الرحمن

 

نطعم الطّيور، ونبني الأعشاش بين خيامنا

يهرب الكلّ من لمحنا كما نريد، وتنام الأخوات أمام بحر دمنا

ويهزون بأيديهنّ سرير القتل شمالًا وجنوبًا

نبحث عن أسمائنا المكتوبة على أشلائنا، يبعثرنا صاروخٌ آخر، نلتقي بأنفسنا بجوار الأنبياء، وينتهي البحث!

 

لا الرّيح ترفعنا ولا الموج، لا يرفعنا إلّا الموت

أصوات الأحياء تزعجنا حينما يتكلّمون عن السّلام

والقصف لا ينام

البحر يحمل الشّهداء في ممرٍّ فضيٍّ نحو القمر،

ليُرشدوا من لم يحالفهم الحظّ بالموت نحو الطّريق المضيء!

 

غريبٌ يتبادل مع غريبٍ آخرٍ،

آخرُ خطب الإدانة والاستنكار

والبحر ثابتٌ وصامتٌ كوصايا الموت!

 

وأنا لم أكن هناك، كنت هنا على يمين الوجع

أمرّن قلبي على استيعاب خيبتي منكَ يا غريب..

علّق سلاحك المُغبر على حائط كتفك

ولا تنفض الغبار عنه بحجّة مزاجك في أداء الصّلاة في الأرض المقدّسة!

لو كنت صادقًا لأخذت عنّا الموت يا عابد الحياة..

اكتب إن استطعت عن شجاعة الشّعوب،

واتركنا تحت الموت نسرق منامًا سماويًّا

رأيتنا.. نعم رأيتنا!

قتلتنا.. وما زلت تحاول!

ثمّ ورّثت القتل لمن يشبهك من بعدك

كي يزداد هذا البحر زبدًا أحمر!

 

وأنا يا غريب، ما زلت أنا

أعرفكَ بلونك المفضّل الذي ترتديه على الدّوام

دمٌ، ودمٌ، ودم

وأنتَ تعرفني باللّون الذي يرتديني كلّ الأعوام

زعترٌ، ونعنعٌ، وزيتون

 

أنا كما أنا في الماضي وفي الحاضر، ألا تراني

أزداد ضياءً، وفاءً لمستقبلي الذي يراني بوضوح!

 

الأنبياء منحوني وهجهم رغم بُعد السّماء

والبحر يفتش عن نفسه بين ازدحام الموت وسجود الأبنية!

غاب الشّجر والظّلّ والتّنهيد

لم يبق إلّا الحجر والحديد والتّنديد

 

كم من مرةٍ سنمرّ بأهوال القيامة يا أمّي؟

أم نحن شعب الأساطير الذي لا يموت يا أبي!

 

لا ماء هنا.. والنّار أشعلت جوفنا والغمام

لا دواء هنا.. ونحن الذين نُشفى بأصوات اليمام

لا زاد هنا.. بَعد زاد الكرامة، ما حاجتنا للطّعام؟

 

ما قيمة المرايا، إن لم تجد نفسك فيها؟

لكَ وجهٌ واحدٌ معكَ أم عليك؟

 

اذهب للبحر واتخذ منه مرآةً، هو البلّور الأنقى

واجعل البحر في متناول يديكَ، حتّى يقف على رجليه هذا الرّكام

 

نحن كما كنّا لو انكسرنا، نرى الرّبيع أمامنا

زيتوننا أحجارٌ كريمة

وتراثنا بانوراما حضارات قديمة

 

إلى امرأة الملح، الذي نخرت عظام الحرب بصمودها

ووهبت أبناءها ليتناسل هذا العلَم لكلّ العالم.

 

هل خرج الشّــهداء من قبـورهم؟

هل نهض الضّـحايا من تحت الر كـام؟

العـدو يشك في أنّه قتل أحدًا!

طــوفـان من البشر والفرح،

وكأنّ الحـرب كانت في مكانٍ آخر!

 

الصمت في حضرة الهيبة، تجعلك سيّدًا في الرؤية

 

يا حاملًا الحياة على رأسك

انظر نظرةً كاملةً للأرض

ستشرق الشّمس فيكَ من جديد!

كان الله معنا منذ البداية،

والله معنا حتّى النّهاية

هذا سوادٌ ملعون

إن كنت تريد أن تعيش.. لا تفعل شيئًا،

اترك نفسك للقدر، فالأحلام في لحظة حربٍ تتبخّر!

اترك كلّ شيءٍ على حاله حتّى يموت بسلام!

 

لم يكن جيّدًا أخذ العرب إخوة

ولا نستطيع التوقف عن التوقع بسذاجةٍ

بأنهم سيحاولون من أجلنا!

هذه أرض الأرواح المتصاعدة

ستستمر في الصعود إن كان من حولك موتى!

أأنت جائع.. اصعد! أأنت ضائع.. اصعد

هنا لا يمكنك إحضار من تحب للحظة التحرير

أخي اسمه يمن، وأختي اسمها بيروت

 

سوف نموت جميعًا بالطريقة التي نفضلها

كلٌّ له طريقةٌ بمحض إرادته

لكن تذكّر جيّدًا عين قاتلك.. أتشبه عين أخيك؟

 

سؤالٌ آخر.. هل تريد أن تموت؟

أم أنّ هناك امرأةٌ تحثك على الحياة؟

لماذا كلّ هذا الحذر والترقب؟

لقد كانت نارًا فحسب،

وكلّ شيءٍ بعدها سيكون على ما يرام!!

 

سنعود قريبًا.. لكن بعد إبقاء مسافةٍ آمنةٍ بين الفجر وإرادة الله!

لن يعود مَن كان محقًا، سينظر من السّماء

وستسحق جماجم الأبرياء ليعيش دعاة السّلام!

 

بمجرد وصولك لأحد النهرين ستكون حرًّا

لكنّ رجلًا يلطخ نفسه بنياشين وهمية يمنع ذلك

جميعنا داخل النّار، وجميعنا يدعي أنّه على علاقةٍ مع آلهة الإخماد!

إنه أمرٌ لا يصدق، من سيحصل على قلب الغزال في ثلاثية الموت والحياة والانتظار؟

من أمامك موتٌ وخلف الموت حياة!

ستخطو باتجاه النهرين باتزان بهذا القلب،

ماذا تريد الآن؟

الحرب لا تريد منك شيئًا،

أنت من رفضت تضميد جراحك من قبل!

الأرض لينةٌ عند الانقسام، والضباب يتصاعد

كل من ينظر إلينا.. لا ينظر إلينا

ينبهر بنجاتنا اللامتناهية ليس إلا!

 

عليك أن تبقى مستيقظًا طوال الليل إن أردت أن تنجو!

ستحمل أشلاء أخيك مرةً، ثم لن يثقلك شيء

ستُفزع من اتحاد الطبيعة ضدك، ثم لن يفزعك شيء

ستصرخ إن بترت أطرافك مرةً، ثم ستصمت للأبد!

 

الحياة قتالٌ مكرر، حتى تنتصر حكمة الله في الأرض

لا العدو أكثر عتادًا، ولا المقــ. اوم أكثر شجاعةً

إنما هو طريقٌ لأجل الله، وطريقٌ آخرٌ خالف الله

فبسطت السماء حكمتها على الأرض بحكم العلو!

 

للبحر آياتٌ كثيرة، ولغزة آلاءٌ أكثر

يامن.. ذلك الضوء المليء بعلامات انتسابه للسماء

كنان.. قلبٌ له نِعمٌ لا تُحصى

أوركيدا.. كانت أكثر من مجرد طفلة، إنها ملاك

وكرمل.. رفعةٌ في الملامح، تشبه بهاء الجليل

كيف تبنى العزيمة بالفقد يا آلاء؟

سؤالٌ.. لا تملك إجابته سوى أم الشهداء!

 

كل شيءٍ مرعبٌ إذا تفحصناه مرارًا

هل تعرف فن الهروب من القدر؟

نعم.. أن يمضي كيفما يشاء!

 

لا أحد يتذكر الملوك، الشعوب ترفع مع بعضها البعض وثيقة الخلود!

أخٌ سيشفى، وأخٌ سيقتل، وأخٌ سيأخذ قوّة الآخر ليصبح ملكًا عنوةً على مجموعةٍ من البشر، الذين سيكررون اللعبة حتى الفناء الأكبر!

 

إن أردت أن تسيطر على أحدٍ، اجعله خائفًا على من يحب! هذا قانون المُلك في الأرض بلا اقتراب من العدل، العدل في الأرض ترهيبٌ وتخوينٌ دائم!

لا تخف إن صدحوا بقواعد اللعبة، عليك الخوف إن صمتوا!

لا أحد يسمع نداءات الرب المتكررة!

ولا أحد يسمع صدى الخيانة الرنان وسط الرقص الصاخب للخائنين!

 

ستصير قائدًا عظيمًا برتبةٍ تعلو المَلك، إن قررت الموت فقط!

اقتل الدنيا فيك ولا تكذب!

ماذا تعرف عن الموت أيها الرّجل العجوز؟ سأجيب عنك..

هو أن تقرر أن لا ترى المستقبل، وتمنحه للآخرين بفنائك المقدس، إن أردت أن تصبح عظيمًا!

 

الله معنا.. فاهرب داخل نفسك

الله يحبنا حين أنقذنا من وحش الحياة الذي يهرول نحونا جائعًا!

ابتعدوا.. ابتعدوا.. لن يلمس أحدٌ هذا الجسم الفلسطينيّ بعد الآن!

حتى الجنة يجب أن تنفجر من أجلها، وتترامى أشلاؤك هنا وهناك، لتصل إليها كاملًا!

بعذاباتك العديدة تمنح الرحمة الكاملة!

وعليكم أن تنحنوا الآن وتقرأوا الفاتحة على سجلت هاماتُهم باسم الوطن!

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services