308
0
" محمد صالح ناصر "...شخصية موسوعية ورمزا للأصالة والحداثة
شهادات حية من مفكرين وباحثين عرضت في تأبينية الراحل

أجمع المشاركون في الندوة الفكرية التي نظمتها الجمعية الثقافية "الجاحظية"، اليوم بمقرها في العاصمة، لتأبينية المفكر محمد صالح ناصر، أن الفقيد كان شخصية تجمع بين الأصالة والحداثة، مؤمنا بضرورة تعريف المكتبة العربية بالشعر الجزائري المكتوب بالعربية، خاصة في مراحله التاريخية الخصبة.
نسرين بوزيان
بصمة لا تمحى في الأدب والفكر الجزائري
بالمناسبة، أبرز الأستاذ الدكتور وصهر الراحل ،محمد ناصر بوحجام في مداخلة له ، أن الراحل ترك اثرا عميقا في الأدب والفكر الجزائري، حيث صدر أول كتاب له عام 1971، ليبدأ بعدها مسيرة حافلة بالعطاء، خاصة أنه كان معروفا بمقالاته الصحفية التي أهدى جميعها للمكتبة الوطنية، بالإضافة إلى تنظيمه جلسات فكرية متعددة.
وأكد بوحجام أن الراحل ألف العديد من الكتب، وكتب آلاف المقالات التي خدم بها الوطن والتاريخ والهوية.
معتبرا أن من أبرز أعماله كتابه الشهير "الشعر الجزائري الحديث: اتجاهاته وخصائصه الفنية 1925-1975"، وهو عمل موسوعي يعد من أهم المحطات النقدية في تاريخ الأدب الجزائري، حيث تابع فيه الراحل مراحل تطور الشعر الجزائري الحديث، من البدايات التقليدية، مرورًا بالمرحلة الإصلاحية مع جمعية العلماء المسلمين، وصولا إلى تحولات القصيدة الحديثة، باعتبارها تعبيرا عن موقف من الذات والتاريخ والاحتلال والحرية والوجود.
شخصية أصيلة جذابة
من جهته، وصف الدكتور عبد الرزاق قسوم، الراحل بأنه كان "شخصية أصيلة جذابة، لا يمكن للكلمات أن توفيها حقها"، واعتبره من المثقفين القلائل الذين استطاعوا الجمع بين المرجعية الدينية والانفتاح الفكري، إذ كان حافظا لكتاب الله، وفقيها إباضيا متفتحا، ووطنيا دون إقصاء، وإسلاميا دون تشدد.
وأوضح قسوم أن محمد ناصر كان فيلسوف الكلمة، وشاعر الحكمة، ومثقف الموقف، تجلّت في كتاباته رؤى تأملية عميقة، تمزج بين الحكمة الإنسانية والبصيرة الفكرية، كما تجسدت شخصيته في الوفاء لعهد الكلمة، والثبات على مواقفه، والالتزام بقضايا الإنسان.
وسرد قسوم جانبا من مواقف الراحل، منها قصيدته الشهيرة عن الفدائي الياباني كوزو أوكاموتو المعروف بـ"أحمد الياباني"، الذي شارك في عملية مطار اللد بتل أبيب سنة 1972، مشيرا إلى أن معاناة الراحل مع مرض القصور الكلوي دفعته إلى الاعتزال عن النشاط الثقافي.
صانع المجد الفكري والثقافي في الجزائر
من جانبه، أكد الأستاذ الجامعي والباحث مولود عويمر أن الفقيد يعد من الأساتذة الكبار الذين صنعوا المجد الفكري والثقافي في الجزائر، وقال أن للراحل مؤلفات عديدة وذكريات محفوظة، أبرزها ما جمعه في مذكراته الشخصية التي أطلق عليها عنوان "ذكرياتي وذاكرتي".
وأشار عويمر إلى أن محمد ناصر أنجز خلال مسيرته نحو 193 مؤلفاً و 3000 مقالا ، جميعها في خدمة الوطن والفكر والتاريخ، ما يجعله من أبرز المثقفين الذين كرسوا حياتهم للكلمة والمعرفة، وساهموا في بناء الوعي الثقافي الوطني.
شخصية عالمية موسوعية
بدوره، قال رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، صالح بلعيد، في شهادته عن الراحل، إنه كان يحضر مشاركاته العلمية في ملتقيات النقاش والأمسيات الشعرية، حيث تميز فيها بالبحث والجدية، ، والأدب، والتوجيه، والوعظ، والوعي العلمي، والخلق الرفيع، وبين أن الأديب صالح ناصر كان شخصية عالمية موسوعية، جامعة بين قضايا الماضي والحاضر.
كما أشار بلعيد إلى أن مؤلفاته متنوعة، تشمل الأدب، والنقد، والصحافة، والشعر، وهو مؤلف أطروحة "التجربة الشعرية الجزائرية الحديثة: اتجاهاتها وخصائصها الفنية"، بالإضافة إلى دراسات في الأدب الإسلامي وكتابات إعلامية، وقصائد شعرية مثل "أغنيات النخيل" وغيرها.
وذكر أن من أصدقائه المقربين كان عبد الله الركيبي، وعمر بن قينة، ومحمد مصايف، وغيرهم، بالإضافة إلى بعض الطلبة مثل العزبي دخو، وبعض الإعلاميين منهم محمد دحو.
وعن أعماله ومهامه، قال بلعيد إن الراحل توزعت نشاطاته بين الجزائر، وعمان، والقاهرة، حيث تنقل كثيرا بين الجامعات العربية، وكان من دعاة الصحوة الإسلامية، والباحثين في الأدب الإسلامي، وشارَك في العمل التربوي والإنتاج الفكري.
وأكد أن قراءة مؤلفات الراحل تحمل افاقا مستقبلية، من خلال نظرته التربوية التي تؤمن بضرورة تنشئة جيل يحمل العلم، والخلق، والتوجيه السليم.
شهادات حية عن الراحل
كما رصدت " بركة نيوز" شهادات حية عن الراحل، حيث أبرز صهر الراحل، الدكتور محمد ناصر بوحجام، القيم التي كان يدافع عنها الراحل والتي تناولها الكاتب الموسوعي في العدد الأول من مجلة " الحياة" والتي تتمثل في القيم الدينية في نظام التعليم بوادي الميزاب.
وأكد أن الراحل كان مدافعا عن الأصالة، والهوية، والشباب، والمبادرات، كما كان محافظا على الوحدة والأخوة و الشباب، وناظرا إلى المجتمع بنظرة استشرافية من خلال تهيئة الظروف المادية والمعنوية، وحتى البشرية للمستقبل، عبر إيجاد مخططات وأنظمة ومناخات تسعى للحفاظ على الأصالة واستمرارية المجتمع بنظرة بعيدة المدى.
وتحدث الروائي والناقد والمترجم الأدبي الجزائري محمد ساري عن الراحل، مشيرا إلى أنه كان أستاذا في قسم اللغة بالجامعة المركزية خلال الفترة ما بين 1979 و1987، حيث كان يدرس الأدب العربي الحديث.
واحتفظ ساري بذكريات طيبة عنه، واصفا إياه بالأستاذ الجاد الذي كان يقدم كل ما لديه بأسلوب بيداغوجي فريد من نوعه.
وذكر موقفا طريفا حدث معه عندما كان الراحل يقسم الحصة إلى ساعة للشرح وساعة للإملاء، فاعترض على طريقة تدريسه، لكنه في النهاية اعترف الراحل بأنه على حق، مشيرا إلى أن غالبية الطلبة يفضلون الحصول على ملخصات مكتوبة للامتحانات.
من جانبه، قال رئيس المجمع الجزائري للغة العربية، الشريف مريبعي، إن هذا اليوم الدراسي يكرم شخصية متعددة المواهب والاتجاهات، ورجلا اكاديميا معروفا تخرج على يديه عدد كبير من الطلبة في مراحل الليسانس والماستر، ويمتاز بكونه متفتحا على مختلف المذاهب، وكان شجاعا ورجل حوار ونقاش.
وذكر أنه عندما قام بتأليف كتاب "أخبار الأئمة الرستميين لابن الصغير" ناقشه الأستاذ محمد الحسين الأعرجي، وكان رد الراحل بأسلوب مهذب وهادئ، حيث اتسم سلوكه بالأدب وأخلاقه بالرفعة، وعلمه بالرزانة، وأفكاره بالنيرة والتسامح.
وأشار الناقد الأدبي ورفيق الراحل، عمار بشير بن زايد، أنه عرف الراحل أديبا شابا في مدرجات جامعة الجزائر، وكان استاذا وصديقا وزميلا، وجمعتهم به ذكريات جميلة ومواقف مشتركة.
وذكر أن الراحل لم يكن يعرض نفسه لمواقف محرجة أو غير محسوبة، بل كان يحسب خطواته بدقة ويقترب من الأشخاص الذين يتحلون بالعقل والمنطق والذوق الفني الجمالي.
كما تميز بأناقته وربطة عنقه وتنسيقه المذهل، مشددا في الأخير على ضرورة استمرار تكريم الراحل واستذكار إنجازاته في مناسبات عدة.