32
0
قصة حقيقية: حامد عاشور وكلبه..
حكاية من غزة تُرجمت إلى سبع لغات

بقلم : جون مصلح
في قلب الحرب وبين خيام النزوح في قطاع غزة وُلدت قصة حقيقية لا تشبه غيرها. بطلها شاب فلسطيني اسمه حامد عاشور وكلبه الذي تبنّاه في لحظة نزوح ويأس فأصبح رفيقًا له في رحلة القهر والبقاء.
القصة لم تبقَ حبيسة غزة بل تخطّت حدودها وانتشرت عبر منصات التواصل حتى وصلت إلى ملايين القرّاء حول العالم وتُرجمت إلى سبع لغات وأثارت ضجّة إنسانية كبيرة.
البداية.. لقاء غير متوقع في زمن الحرب
وسط الدمار التقى حامد بكلب من نوع "جيرمن شيبرد" كان تائهًا وخائفًا بلا مأوى.
لم يتردد للحظه احتضنه وأخذه معه إلى خيمة النزوح ليصبح أكثر من مجرد حيوان أليف أصبح صديقا ورفيقا في رحلة النجاة من حرب لا تُبقي ولا تذر .
كتب حامد يومياته مع الكلب على وسائل التواصل الاجتماعي، يوميات بسيطة لكنها صادقة وصارت نافذة إنسانية وسط عالم غارق في الأخبار القاسية.
صورة شاب وكلبه في خيمة مهترئة يتقاسمون فتات الطعام، جسّدت هذه المشاهد المصورة، وجع غزة بطريقة لم تفعلها الكلمات وحدها.
انتشار القصة جذب انتباه جمعية أوروبية من دبلن إيرلندا تواصلوا مع حامد وطلبوا الاطمئنان على صحة الكلب وعرضوا خطة كاملة لإجلائه إلى أوروبا حيث ينتظره بيت دافئ ورعاية كاملة.
لكن الصدمة أن الحديث كان عن الكلب فقط، لم يطلب أحد الاطمئنان على حامد الإنسان الذي يعيش في خيمة لا تصلح لعيش أي كائن حي وهو بطل القصة وصاحبها الحقيقي.
كتب حامد بمرارة
تواصلوا معي ليطمئنوا على الكلب وبحثوا في طرق إخراجه من غزة، بينما أنا صاحب القصة لم يشر أحد إليّ كأنني لا أرقى أن أكون حتى حيوانًا.
تحوّلت يوميات حامد وكلبه إلى ما يشبه مجلّة إنسانية تُقرأ في كل مكان، العالم تعاطف مع الحيوان، لكنه تجاهل مأساة الإنسان.
تلك المفارقة أصبحت مرآة تكشف عمق الخلل في إنسانية العصر كيف تُبذل الجهود لإنقاذ كلب بينما يُترك إنسان فلسطيني يواجه الحرب بلا مأوى بلا دواء بلا أفق.
قصة حامد عاشور ليست مجرد حكاية عن رفقة إنسانية بين شاب وكلب، بل هي شهادة حيّة على عالم متناقض، عالم يُنقذ الحيوان، ويتجاهل صاحبه مع انهما يعيشان على الاقل نفس المعاناة.
هي صرخة من قلب غزة أن حياة الفلسطيني ما زالت في نظر الكثيرين أقل قيمة من حياة أي كائن آخر.
قصة حامد والكلب لم تنتهِ
القصة ما زالت حيّة في وجدان كل من قرأها بلغاته السبع، لكنها تطرح سؤالًا أكبر من غزة وأكبر من الحرب.. لسنا ضد الرحمة وحقوق الحيوان والدليل ما فعله هذا الشاب الفلسطيني لكن، أي إنسانية هذه التي تنتصر لحيوان وتنسى صاحبه الإنسان وأكثر من 2 مليون انسان يعيشون بنفس الظروف؟؟؟
الحرب.. أسطورة الألم والأمل..
ليست الحرب مجرد صراع على الأرض، ولا دم يسفك عبثا، بل هي أعظم تجربة للروح، ومرآة النفوس، واختبار للقلوب..في لهيبها تختبر عزيمتنا، وتتفتّح معادننا، ويُرى من يصدق في فعله ومن يبيع ضميره، ويُكشف الجبان من الشجاع والغادر من الأمين، تصطفى فيها الشهداء، وتُرفع درجات الصابرين، ويستيقظ الغافل بعد سبات طويل.
وللحرب وجوه أخرى: لحظات صمت عميق بين الدخان.
نظرة عينين تلتقي بين الركام..
ضحكة طفل تتسلل في وجه الدمار
كلمة صادقة تصمد في وجه الخيانة..
يد تمتد للمساعده رغم صعوبه الظروف على الجميع...
كل هذه اللحظات الصغيرة تُنير القلوب، وتعلّمنا أن بين الألم يكمن أمل لا يراه إلا من صبر وثبت.
الحرب تُعلّمنا أن الحياة أعمق من كل ما نراه، وأن الإنسان حين يُصقل بالابتلاء يكتشف ذاته الحقيقية: قوته في الصبر، وعزيمته في الوقوف، ونبل أخلاقه في الظلام.
كل فجر يليه الليل، وكل عاصفة تنتهي بهدوء وكل سقوط يحمل فرصة للارتقاء.
ثم تمضى الابتلاءات ويبقى الأجر لمن صبر، والوزر لمن فجر..والله غالب..
بين شرف الموقف وخيانة الحاجة… نداء إلى أصحاب الأراضي
في زمن الجراح تتكشف معادن الرجال.. وبينما يصرخ بعض أصحاب الأراضي مطالبين النازحين بمغادرة أرض احتموا بها من الموت بحجج واهية وكاذبة.. برزت مواقف مشرّفة لآخرين فتحوا أرضهم عن طيب نفس، واحتضنوا إخوانهم.
لأولئك الشرفاء نقول، أنتم عنوان الشهامة والأصالة وأن الأمر اهم من اى شئ حين يتعلق بحماية اعراض الناس وكرامتهم .
أما من يطالبون النازحين بإخلاء الأرض أو دفع مبالغ باهظة، فليتذكروا، يكفي هؤلاء الناس ما أصابهم من ذعر و نزوح وضياع بيوت وممتلكات.
يكفيهم الهروب إلى مناطق خالية من الخدمات، يكفيهم العيش تحت قصف وجوع وبرد.
من أين يأتي النازح بالنقود ليستأجر مجرد قطعة أرض فارغة؟ أين ذهبت الرحمة والإنسانية؟ أين الدين والوطنيّة؟ أين المروءة والرجولة؟
إن استغلال حاجة المظلوم في لحظة ضعفه خيانة كبرى، وتساوق صريح مع الاحتلال الذي يريد أن يحول شعبنا إلى شتات بلا مأوى.
من يطرد النازحين من أرضه اليوم قد يجد نفسه غدًا في نفس المصير، يبحث عن ستر فلا يجد.
يا أصحاب الأراضي، اختاروا صفكم صف الشرفاء الذين سيذكرهم شعبهم والتاريخ أم صف من باع إنسانيته بدراهم معدودة؟
افتحوا أرضكم كما فتحتم بيوتكم وقلوبكم فالشعب لا يصمد إلا بالتكاتف ولا يُحفظ إلا بالرحمة ..