13

0

حرب ما بعد الحرب

 

بقلم : د.أحمد لطفي شاهين

ذكرت في مقالي السابق (هل نحتفل بإنتهاء الحرب؟؟) ان الحرب توقفت نسبياً ولكن الموت اليومي لم يتوقف .. حيث لا يزال 52% من قطاع غزة خاضع لسيطرة الاحتلال وكل من يحاول أن يقترب من ارضه في المنطقة الحمراء (او خلف الخط الأصفر) ، يتم قنصه بطلقة ويتعذر انتشاله ويبقى وجبة للكلاب الضالة التي تلتهم الجثث بشراهة غير عادية .. وقد يتم قصف كل من يقترب من ارضه بقذيفة دبابة تفتت جسده ويصبح طعاماً للغربان والجرذان 

وكل يوم منذ اعلان الهدنة يرتفع عداد الشهداء والجرحى بلا أي سبب ولا هدف إلا قتل الفلسطينيين وتقليل عددهم على الأراضي الفلسطينية .. ولا يزال الموت مستمراً رغم وجود هذه الهدنة الهشة فالغالبية العظمى من الناس لا يوجد عندهم مصادر للدخل خلال سنتين من الحرب ومن كان عنده رصيد او ذهب فإنه انتهى على يد أمراء الحرب من التجار واللصوص وحاليا معظم الناس يعيشون في ظل الفقر والجوع والتعطيش .. ويصابون بالأمراض التنفسية والجلدية ويستمر المرض اكثر من الفترة الطبيعية للمرض وذلك بسبب الضعف العام وضعف المناعة عند كل الناس .. باستثناء التجار واللصوص والجواسيس

وهذا الوضع الإنساني الصعب يؤدي الى الموت البطيء كل يوم وللأسف لا يوجد تركيز اعلامي على المجاعة حاليا بسبب توجيه الإعلام الى مسألة استخراج جثث الاسرائيليين في غزة

واختراقات الهدنة والتصعيد المفاجيء وجهود الوسطاء لعودة الهدنة واللقاءات الثنائية بين القادة للتباحث حول مستقبل قطاع غزة بينما لا يزال سكان القطاع يعيشون اسوأ ظروف في التاريخ على الإطلاق .. هل تتخيلوا ان انسان كان عنده قصر ويعيش الآن في خيمة ؟ خيمة مقامة على أرض بالايجار واذا اردت ان تعمل حمام خاص بك من الصفيح وحجارة الشوارع فإن الايجار يزداد واذا اردت مكان إضافي تشعل فيه النار خارج الخيمة فإن حساب الاجرة يزداد .. اليس هذه حرب بعد الحرب؟ أليست حرباً حياة انسان كريم في ذل ومهانة؟

ان مجرد رغبتك في الحصول على فنجان قهوة او شاي مبكرا يعني معركة..

وعندما تجد دكتور جامعي كبير في السن او قاضي او مدير مدرسة او ضابط كبير .. يقف في طابور ليحصل على ماء صالح للشرب.. فهي حرب نفسية تؤدي الى الموت بالجلطة او السكتة الدماغية.

أليست حرب نسبة الربا لتوفير السيولة التي تتراوح من 15% إلى 50% على رواتب الموظفين او على الحوالات المالية المرسلة من الاقارب في الخارج .. إنها جريمة لا يمكن أن تُغتفر .. أليست حرب أن تجد فتاة او امرأة لا تملك مكان تستحم فيه لعدة اشهر ولا تجد صابون ولا شامبو لغسل شعرها .. ؟ هل تتخيلوا نفسيتها عندما تضطر الى حلاقة شعر رأسها درجة صفر؟ لانها تخشى ان يصيبها القمل او ارهقتها قشرة الشعر .. اليست هذه حرب نفسية قاتلة اكثر من القصف ؟

هل تعلم ان كل طلاب قطاع غزة من كل المراحل لا يجدون مدارس ولا جامعات تستوعبهم

ولا يعرفون ما هو مستقبلهم ولا مصيرهم

و يعيشون تحت تأثير سياسة ( الغموض الاستراتيجي) التي تنفذها امريكا والاحتلال الصهيوني ضد شعبنا منذ بداية هذه الحرب الملعونة حيث لا أحد يعلم ماذا سوف يحدث ولا أحد يستطيع أن يتوقع ماذا سيحدث .. وكل كلام المحللين السياسيين عبر الشاشات والصحف ليس اكثر من هرطقات وفلسفات ووسيلة للكسب المادي على حساب جراحنا ومعاناتنا لأن موتنا بحد ذاته هو مادة اعلامية تحمل زخما اعلاميا كبيرا .. وهذه بحد ذاتها حرب اخرى عندما تشعر ان عشرات آلاف الشهداء والجرحى اصبحوا مجرد أرقام .. انها البلادة في اقبح صورها عندما تستثمر الفضائيات وجع الانسان للحصول على سبق اعلامي وخبر حصري .. إنها حروب فوق الحرب يعيشها الفلسطينيين حيث يتحكم في البلد مجموعة تجار كبار ينزلون البضائع صنف صنف بسعر خيالي وبالتدريج يتم خفض السعر وهناك من يشتري بأسعار عالية من المبادرين وأهل الخير لعمل الخير لكن ( النية الطيبة لا تُصلح العمل الفاسد ) لأنهم يشجعون التجار على الاستغلال والاحتكار عندما يكون عندهم ثقة مطلقة انهم سوف يبيعوا بضائعهم ولذلك يتمسكون بأعلى سعر بينما لو تم مقاطعتهم من الجميع فسوف يضطروا إلى تخفيض السعر خصوصا ان البضائع يتم استيرادها بسعر رخيص لكنهم أمراء الحرب في أقسى صورة ولا ضمير ولا رحمة ولا اخلاق عندهم سواء تجار المواد الغذائية او تجار المحروقات او تجار الحطب اللصوص 

هذا جانب بسيط جداً من ظلمات الحرب في ظل انقطاع مستمر للكهرباء منذ سنتين وليس أمامنا إلا أن نلتمس النور من الله..

 ﴿ ... ظُلُماتٌ بَعضُها فَوقَ بَعضٍ إِذا أَخرَجَ يَدَهُ لَم يَكَد يَراها وَمَن لَم يَجعَلِ اللَّهُ لَهُ نورًا فَما لَهُ مِن نور ﴾ النور 40

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services