73
0
حوارات مقتضبة...

نص / د. إيهاب بسيسو
1-
- أريد كتاباً مكتنزاً
بصفحات كثيرة
لا تفنى بسرعة بين يدي...
- هل تود مثلاً قراءة رواية
"الحرب والسلام" لتولوستوي
أو رواية "الجريمة والعقاب"
لدوستويفسكي؟
- لا يهم...
المهم أن تكفي الأوراق
لإشعال موقد صغير
من أجل إعداد رغيف خبز...
-2-
- الجوع عالم مواز
من مطارق ثقيلة
تفتت رأسي في الفراغ...
- الجوع انحسار الذاكرة
بين نافذتين من تعب...
مثل ضباب في العينين
ورماد يركض مدبباً
على ما تبقى من جسد...
-3-
- لدينا ما يكفي من كتب
بأغلفة من كرتون مقوى؟
- وماذا تود أن تفعل
بهذه الثروة
في وقت مباد بالقذائف؟
- أدخرها ليوم ملائم
من أعشاب برية قابلة للطهي
مع قليل من ماء
غير ملوث بغبار الدبابات...
-4-
- الحاضر محض موت
متعدد الأوجه
لا يكف عن الاندفاع
حرائق غامضة
في أنسجة الوقت...
- الغد ذاكرة الحاضر...
يراكم حكايات الوقت
في التفاصيل ...
فاحرص على ديمومة التذكر
ولا تصنع من موتك
مناسبة (مثالية) للنسيان...
-5-
- قد يمر زمن طويل
قبل أن يسترد المكان
هواءه العتيق
من طبقات الرماد...
ويكتشف التاريخ
حجم هذا الموت/ المذبحة...
- سيمر!
-6-
- هل كانوا على حق؟
- من؟
- كل الذين شاهدوا موتنا
عبر بريق الشاشات
والتزموا الصمت الملتبس
وتركونا للتأويل
ومضغ الخراب
وتعلم درس الإبادة
باللحم الحي؟
- أتظن؟
-7-
- من الصعب جداً
أن أراني، أستردني (يوماً)
من كل هذا الحطام
لأكونني (مجدداً)
بلا ندوب متحجرة
هي بقاياي الناجية
من انهيار البيت والمدرسة
والحي القديم
ومقبرة العائلة...
- من الصعب (أيضاً)
أن يموت موتي فِيَّ
أو عبر نصوص الذكريات...
أو أن يغادرني هذا القلق
(قلقي)...
مثل نزلة برد حادة
في شتاءات الخراب...
سأحياني بكل الموت
الذي رافقني على مدار القذائف
ثم صار أوقاتاً من رماد
وسلالات حية من غضب...
-8-
- العالم يتغير ببطء
فيما نحن نواصل الموت
والتحلل المطرد
على جانبي المذبحة...
- العالم يواصل التحول
إلى زنزانة كبرى
بجدران خشنة،
من بقايا صراخ خفي...
فيما نحن نحيا موتنا
بكل توتر العزلة المدببة
الغائصة في بقايا لحمنا
مثل طعنات مسمومة...
-9-
- الموت جائع أيضاً
ينهشنا مثل ذئب بري
لا يكف عن العواء
والركض في لحمناً
وليمة تلو وليمة، تلو وليمة...
- الموت قرصان الأحلام
في هذه الإبادة المستمرة...
ينقض على حطامنا
فيما نحن العالقين
في السفينة المهشمة
نواصل الغرق
في أعماق العدم...
-10-
- في مشهد غير متخيل
أعود إلى أوقات بعيدة
خارج هذا الزمن المضطرب
أرى رهباناً في الطريق إلى دير
القديس هيلاريون "الغزي"
ومصلين في المسجد العمري
بعد أداء صلاة العصر
يجلسون إلى كتابات الإمام
محمد بن إدريس
الشافعي "الغزي"...
كأنها صدى خطوات بعيدة
منسية في ضجيج الدبابات
وسرد المحو
المندفع مع قذائف الموت
غزاة بعد غزاة، بعد غزاة...
[أنا أتحدث عن أزمنة
تقترب من ألفي عام]
- في مشهد غير متخيل
أعود إلى أوقات أكثر قدماً
لأرى عمالاً "غزيين"
في ميناء الأنثيدون
[أو (البلاخية) في اللهجة المحلية]
يعدون السفن التجارية للإبحار...
وأسمع صوت التلاميذ
في مدارس غزة للفلسفة والبلاغة...
يناقشون مسائل الوجود والطبيعة...
[أنا أتحدث عن أزمنة
تقترب من أربعة آلاف عام]
-11-
- أفكر أحياناً في التهام الكتب
طهوها في الماء، إن أمكن...
تذويبها كحساء بلا نكهة،
قد يسد هذا بعضاً من جوع
في زمن المجاعة/ الإبادة...
- صفحات الكتب مرايا الغياب
حضور مكثف لأبجديات
من صمت...
لن تسد جوع الحاضر المفتت
بين خوذات الجنود...
ولن تكون متراساً ضد الصخب
المندفع بلاغة هوجاء
في خطابات " الديكتاتورية"
الموغلة في عمى مقصود...