51

0

هجوم كسر الجمود والرحيل الصاخب

 

بقلم: كمال برحايل

كتب وزير الدفاع الإسرائيلي موشي دايان في مذكراته " دايان يعترف " عن هزيمة حزيران ، يقول " إن اصرارنا على مفاجأة العدو بالضربة الأولى ، لأنها من وجهة نظري لابد ان تغير في ميزان القوى وهي العنصر الأساسي ، في الانتصار وسنجبر العدو على القتال ، بالشروط التي نفرضها نحن ".

وقد كانت النكسة العربية في حزيران ، مجرد جولة في حرب وفق خيار العرب اللاحرب واللاسلم، ولم تحسم إطلاقاً وبعد استعادة الشهادة الصريحة، يستوجب الطرح المتجدد للحقائق المجردة بدون استحضار العواطف العربية الجياشة ، عن هجوم السابع من اكتوبر ،هل شكل مفاجاة لصانع القرار السياسي والأمني في إسرائيل، وسبب السؤال هو طبيعة التصريحات المتباينة في إسرائيل، عن تمكن المخابرات من رصد معلومات، عن المحاكاة للهجوم انطلاقاً من غزة وتلقائيا يفهم منها، بالمعرفة المسبقة للنوايا المعادية ولكن في المقابل، لم تتجرأ إسرائيل على تقديم اي دليل ، يثبت صحة تلك المزاعم ، في حين لم تتصرف بناء على ما توصلت إليه الاستنتاجات الخاصة بالتحذير، والجدير بالذكر انه من المهام المخولة لأجهزة المخابرات، هو البحث لمنع حدوث تلك المفاجأة.

بالتالي فان المشهد السياسي في إسرائيل، قد تشكل على القناعة الظرفية الناجمة عن النصر الوهمي، المتمخض من امتداد الإتفاقية الإبراهيمية، كمسار طبيعي لحركة التاريخ لاستدامة التطبيع لتشمل، أطراف أخرى في الوطن العربي، ولعل هذه النشوة المؤقتة بالنصر، أدخلت إسرائيل في السبات والمعنى المقصود تحديداً، من السبات الحقيقي هو ذلك السبات الاستخباري حيث يعرف، قاموس معجم اللغة العربية، كلمة السبات لغةً "هو الانقطاع عن النشاط والحركة، أو النوم المستمر بدون انقطاع".

والذي حدث عند قيام دولة إسرائيل، مباشرة سارع أول رئيس للوزراء دافيد بن غوريون ، باتخاذ الخطوة الأولى لتأسيس الجيش مانعا على اثره ، المنظمات العسكرية اليهودية المسلحة والبداية كانت بدمج مختلف التشكيلات ، القائمة منذ عهد الانتداب البريطاني ، في فلسطين مثل الهاجانا وتعني باللغة العربية الدفاع لحماية ممتلكات المستوطنين ، و الأرجون وتعني المنظمة العسكرية القومية في إسرائيل المنشقة عن الهاجانا ، بسبب القيود البريطانية المفروضة .

ويعرف الجيش في إسرائيل إختصاراً بالحروف الأولى من اللغة العبرية ، " تساهل " (تسيف هجناه ليسرائيل) اي جيش الدفاع عن إسرائيل ، وحجة التسمية هو المطابقة مع العقيدة القتالية ، لترك الانطباع لدى الرأي العام بأنهم في حالة دفاع دائم ، بسبب الجوار الجغرافي المعادي، ويتشكل الهيكل التنظيمي للجيش الإسرائيلي ، من ثلاث قيادات فرعية للأسلحة الرئيسية ، وهي البرية ، البحرية والجوية ومن القيادة الميدانية للمناطق ، الشمالية ، الجنوبية والجبهة الداخلية وتمارس السيطرة على القوات، بواسطة ادماج منظومة القيادة والتحكم والاتصال والاستخبارات .

ومن بين المسلمات الكامنة في بناء العقيدة القتالية للجيش الاسرائيلي ، هي عدم الإقرار بتقبل خسارة الحرب والاعتراف بالهزيمة ، لأنها نبوءة للتمهيد بزوال إسرائيل ، كما يقول وزير الدفاع موشي دايان " يجب تحقيق النصر الكامل ، لان الهزيمة إبادة قومية وشخصية .

ونستشعر بحقيقة التحول في الفكر الإستراتيجي الإسرائيلي ، منذ وصول القوى اليمينية والدينية المتطرفة إلى الحكم، المشددة على الأولوية المطلقة للأمن فوق القانون الدولي، ومحاولة إستباق مصادر التهديد، حيث كانت وعدم الاكتراث إطلاقاً للمواقف الدولية .

وبالإضافة لهذا تستند إسرائيل في بناء العقيدة القتالية على هذه المبادىء الاتية،  عقدة التفوق والمغالاة بالجيش الذي لا يقهر في الشرق الأوسط ، والقدرة على توجيه الضربة الاستباقية لتحقيق الردع والحسم الكامل، ونقل المعارك في الأراضي المعادية بالقوات الجوية.

ولكن الملاحظ منذ عملية طوفان الأقصى ، تحاول إسرائيل التكيف فقط على رد الفعل بسبب التخبط والارتجال، الذي اعقب الهجمة، بسبب الربط مباشرة بين المحرقة وهجوم اكتوبر ،بدون قراءة حقيقية للمشهد السياسي والأمني ،وهذا بغية تبرير أي تصرفات صادرة عن قيادة الأركان ، باللجوء إلى القوة المفرطة الناتج عن القصور في التنبؤ بالنوايا المعادية ، وهذا يصطلح عليه استخباريا استطلاع النشاط المعادي، وقد استقر الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي على نفس النمط ، متوقعاً حدوث العدوان من دولة عربية ويستبعد بذلك كلية، أي مبادرة بالهجوم من حركات المقاومة الناشطة في قطاع غزة ، التي غدت ضحية صامتة لاتزال منشغلة وغارقة في أوحال كيفية ادارة والتصرف في قطاع غزة .

وفي مطلع فصل الخريف بينما كانت إسرائيل ، تبحث عن صياغة لواقع امني جديد لتبديد المخاوف المتكررة ، وبرمزية التغيير والتجديد بين الفصول كانت حماس تفكر وتخطط وتحلل ، وترقب بسرية مطلقة وحصرت القرار بالهجوم ، بدوائر مغلقة ومحدودة .

وفي الساعات الأولى من الفجر ، كسر الصمت وتلاشت الخشية من حصانة إسرائيل، وأصبح الضحية هو المبادر وتغير ميزان القوة لبداية حرب لاتماثلية طويلة الأمد ، عجلت باعادة تدويل القضية الفلسطينية ، مع الإبقاء على خيار المقاومة التي أسقطت مخطط التهجير من غزة ، وثبت الشرط التفاوضي بمعنى لا أسرى بدون تفاوض كما قال أبو عبيدة .

وفي السياق التاريخي للصراع ادركت الحركة، حجم التفاوت في القوة مع إسرائيل متكمنة ً وبكل المقاييس من تحقيق المفاجأة ،وشاهدنا الصور على المباشر تكشف عن درجة التغير في الأداء القتالي ، بالانتقال من الدفاع إلى الهجوم وكانت المفاجأة في المكان والزمان والأسلوب ، وبمراجعة قاموس المعاني نجد تعريف كلمة المفاجاة " بانه حدث غير متوقع وبدون سابق إنذار ويسبب شعوراً بالدهشة والصدمة " .

وتتكون المفاجأة من ثلاث مستويات التكتيكي والعملياتي حيث يتحدد هدف واتجاه الهجوم وحجم القوة، أما الاستراتيجي فهو إخفاء نية الهجوم ويتحقق عنصر المفاجأة ، اولاً عن طريق السرية بمعنى إخفاء النوايا والأعمال التحضيرية وخطة العمليات والقدرات المادية والبشرية ، وثانياً بواسطة الخداع وهي إعطاء انطباعات خاطئة حول النوايا والخطط القتالية، وثالثاً الخداع الذاتي وينجم عن سوء تقدير حقيقة المعلومات وقلة المهارة في تفسيرها ليس بسبب نجاح الطرف المعادي بإخفاء المعلومات، وهذا قمة السبات الاستخباري المستغرق في قطار التطبيع الليلي، الذي امتد بتوقيت المقاومة من لبنان إلى ايران ليصل إلى اليمن السعيد .

ويقول الأستاذ في مدرسة لندن عالم السياسة والمؤرخ اهارون بريغمان " بينما تنتصر إسرائيل على الخصوم الأقوياء تنهزم أمام خصمها الأضعف حماس ،التي حقّقت الأهداف بانهاء الحرب وانسحاب إسرائيل وإطلاق سراح الاسرى ".

والان كيف سيكون حال الخطاب في إسرائيل وبعد وقف الحرب على غزة ، مخلفة خسائر بشرية ، والسبب في تزايد معدل الرحيل الصاخب ، وآثار نفسية مدمرة واتساع في الانقسام الداخلي ، بتراجع الثقة وعدم اليقين وتنامي المخاوف الأمنية ، في دولة قامت على فكرة العودة إلى الوطن .

 

آخر الكلام: من أقوال تشي غيفارا 

"قد يكون من السهل نقل الإنسان عن وطنه ولكن من الصعب نقل وطنه من قلبه "

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services