269

0

غياب التوازن الأسري… خطر يهدد تربية الطفل

بات غياب التوازن في المسؤوليات داخل الأسرة الجزائرية أحد أبرز معيقات التربية السليمة للطفل، الذي يجد نفسه في واقع غامض الأدوار، دون توجيه واضح من والديه.

شيماء منصور بوناب

 ومع تسارع وتيرة الحياة وتطور سوق العمل، تراجعت المسؤولية التربوية لدى الكثير من الأسر، حيث ألقى الوالدان بعبء تربية الأبناء على دور الحضانة والمربيات، غير مدركين لتبعات هذا القرار المصيري الذي قد يغيّر ملامح جيل كامل.

وفي هذا السياق، أكدت المختصة الأسرية والتربوية، الكوتش نايت مسعود فاطمة، أن الطفل يعد الضحية الأولى لاختلال التوازن الأسري، موضحة أن "المرأة، باسم التطور، أصبحت مستقلة ماديًا لكن على حساب أولويتها تجاه أسرتها، فيما تخلى الأب عن دوره التربوي مكتفيًا بتأمين الاحتياجات المادية، دون وعي بحجم المشكلة".

واقع الاسرة الجزائرية.... حين تراجع الدور التربوي للأبوين

وأضافت أن انشغال الوالدين وكثرة المهام الخارجية أدى إلى حالة من الفوضى داخل الأسرة، ما أفرز اضطرابات وعُقَدًا نفسية لدى الطفل، تحتاج إلى تدخل عاجل لإخراجه من دائرة الكآبة إلى بر الأمان.

كما حذّرت من آثار الفراغ العاطفي، وانعدام الأمان، والوحدة، مؤكدة أنها عوامل تمسّ سلامة الطفل النفسية والجسدية، وتمثل بوابة للانحلال الأخلاقي، وضعف الشخصية، وفقدان الهوية حتى داخل محيط الأسرة.

وشددت على أهمية التكامل بين دور الأم ودور الأب في بناء شخصية الطفل، مشيرة إلى أن "الطفل الملازم لأمه يكتسب طاقة أنثوية، بينما تحمل الطفلة الملازمة لوالدها سمات ذكورية"، وهو ما يستدعي، حسبها، مراعاة خصوصية كل طفل؛ فالبنت تحتاج إلى احتواء أنثوي من الأم، والابن إلى قوة ذكورية من الأب، ليكتمل شعورهما بالأمان والتوازن من خلال جهد مشترك بين الوالدين.

الفراغ العاطفي .... عامل خطر  يهدد  نفسية الطفل و المراهق

وفي سياق حديثها عن واقع المراهقة اليوم، أوضحت الكوتش أن المجتمع بات يشهد مظاهر وسلوكيات مقلقة، تثير الاستهجان، سواء من حيث أنماط اللباس التي يعتمدها بعض المراهقين، أو قصات الشعر الغريبة، أو أساليب الحديث الخارجة عن المألوف، وهي جميعها مظاهر دخيلة على قيمنا الدينية وأعرافنا الاجتماعية.

وأكدت أن الدراسات الميدانية والتقييمات المتخصصة تشير إلى أن هذه الظواهر تمثل انعكاسًا مباشرًا للاختلال الأسري، الناتج عن غياب الدور التربوي الفعّال للأهل، ما جعل القدوة داخل الأسرة تقتصر على إطار شكلي لا يتجاوز حدود الكلمات.

انعكاسات التصادم الأسري على الطفولة

وفي السياق ذاته، لفتت إلى بعض المظاهر النمطية المشوّهة التي يشهدها المجتمع الجزائري اليوم، والمرتبطة أساسًا بالاختلال الأسري، ومنها تبادل الأدوار بين الرجل والمرأة بشكل غير متوازن، حيث باتت الأم تتحمّل عبء إدارة شؤون المنزل كاملة، بما في ذلك مهام التسوق التي كان الرجال يقومون بها سابقًا، ليتحوّل الأمر – من دون وعي – إلى قاعدة اجتماعية غير مكتوبة، يرى فيها الزوج أن هذه المسؤوليات تقع على عاتق المرأة وحدها، مكتفيًا بعمله وتوفير لقمة العيش، في حين يتم إغفال بقية الأدوار التربوية التي تستوجب مشاركة فاعلة من كلا الطرفين.

هذا التصادم في الأدوار جعل من المرأة ندًّا للرجل، تنافسه في مهامه، فيما فقد الرجل بدوره جزءًا من مسؤوليته وقوامته عندما ألقى بمهامه على عاتق المرأة. و

عند هذه النقطة تحديدًا، تفكّكت الأسرة، وسُرقت الطفولة، واندثرت البراءة من وجوه أطفالنا، وكل ذلك نتيجة للاختلال الأسري الذي تتفاقم آثاره السلبية مع مرور الوقت.

دراسة حالة واقعية عن الإهمال العاطفي

وفي حديثها عن بعض الحالات التي مرت بها كمختصّة واستشارية أسرية، أشارت إلى واقع مرير تعيشه طفلة صغيرة، تعاني من ضغط نفسي وإرهاق ذهني أفقداها القدرة على التواصل مع والدتها، حتى أصبحت وحيدة في عالمها، بلا احتكاك يُذكر مع أسرتها.

وفي محاولة منها لمعرفة الأسباب، تواصلت المستشارة مع الأم، التي ردّت ببرود قائلة: "أنا لا أقصّر في الطعام والشراب، أليس هذا كافيًا؟… أنا مرهقة وأعمل كثيرًا ولا أملك الوقت للحديث معها."

تقول المستشارة: "وقع هذه الكلمات كان صعبًا عليّ كمختصّة، فكيف سيكون على طفلة صغيرة لا تزال في المرحلة الابتدائية؟"

من خلال هذه الحالة، تيقّنت أن الاحتواء العاطفي والتواصل السليم بين أفراد الأسرة هو السبيل الوحيد للخروج من دائرة العزلة واستعادة الإحساس بالأمان."تضيف الكوتش".

 ولهذا، شدّدت على ضرورة أن يولي الأولياء اهتمامًا أكبر بالتواصل مع أبنائهم، وفهم مشاعرهم، ودراسة شخصياتهم بكل دفء وحنان، لأن التربية ليست أوامر جافة، بل أسلوب حياة ذكي يقوم على اللين والحب في التعامل.

في الختام،  أكدت أن إعادة ترتيب الأولويات الأسرية يعدّ السبيل الأمثل لإنقاذ الأطفال من شبح العزلة والخوف والضياع، فالأم لها مسؤولياتها، والأب له أدواره، وبتكامل الجهود تتحقق أسرة متماسكة لا تشوبها شائبة.

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services