32
0
الذكرى الـ63 لعيدي الاستقلال والشباب... مسار اقتصادي سياسي لبلوغ الريادة

بروح النصر والحرية تستقبل الجزائر برجالها ونسائها وشبابها الذكرى الـ 63 لعيدي الاستقلال والشباب، بعد أكثر من 130 عامًا من الاستعمار الفرنسي، الذي كتبت من خلاله الجزائر تاريخها بأسطر من ذهب وأصبحت مثالا حيا لقضايا التحرر في العالم.
ملف من إعداد: بثينة ناصري
ولعل ما يمكن الحديث عنه في هذه الذكرى العزيزة على قلوب الجزائريين، تحول الجزائر من أرض مستعمرة منهوبة إلى أرض قوية بتاريخها وغنية بانجازاتها الوطنية والدولية، وتؤكد من جديد أنها ماضية نحو المستقبل بثبات، دون أن تنسى جذورها وتضحيات أبطالها.
فتجسيد أسس الجزائر الجديدة بقيادة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، نتج عنه العديد من الاجراءات التي تخدم الشباب بالدرجة الأولى، وكان من أبرزها فتح المجال الواسع نحو الولوج لريادة الأعمال والمقاولاتية مما خلف العديد من النتائج الايجابية خاصة الرفع من معدلات التنمية الاقتصادية.
ريادة الأعمال في الجزائر إصرار وعزيمة لبلوغ النجاح
وبهذا الخصوص، وفي لقاء خص به "بركة نيوز"، أوضح مدير مؤسسة شباب الجزائر، ياسين تاج الدين بوهريرة، أن ريادة الأعمال في الجزائر تأتي تماشيا والتعليمات التي ما فتئ السيد عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية يوليها أهمية في اجتماعات مجلس الوزراء وكذلك مختلف الجلسات الوطنية التي اشرف على افتتاحها مثل الجلسات الوطنية للفلاحة، الجلسات الوطنية للسينما والتي تركز على ضرورة المبادرة في مشاريع ريادة الأعمال واشراك الفئة الشابة فيها.
وأكد بوهريرة أن كل هذه التوجيهات تدل على الأهمية التي يوليها السيد رئيس الجمهورية وسلطة البلاد لتحقيق الرفاه الإقتصادي، مشيرا إلى تركيز الجزائر على أن تكون سنة 2025 سنة اقتصادية بامتياز، بالإضافة إلى تجسيد ضرورة تأسيس اقتصاد وطني بحلقة متكاملة من المؤسسات الناشئة المصغرة واستثمارات كبرى تنطلق من خلال خلق هذه الفكرة على مستوى المؤسسة التربوية وبالأخص الجامعية.
ويرى محدثنا أن هذا ما جعل الجامعة الجزائرية اليوم بمثابة ورشة حقيقية نستخلص منها نخبة الكفاءات الشابة التي تساهم في التنمية الاقتصادية من خلال خلق مشاريعها ومؤسسات ناشئة خاصة في ظل القرار الوزاري 12-75 الذي كان ينص على استحداث المذكرة على شكل مؤسسة ناشئة، حيث أصبح ينص على استحداث مذكرة على شكل مؤسسة اقتصادية، مؤكدا أن هذا يتماشى مع الرؤية المنفتحة للدولة في تعزيز النمو الاقتصادي وبعث التنمية الاقتصادية المتكاملة.
وحسب بوهريرة فإن هذا من شأنه أن يجعل ريادة الاعمال أحد المحاور الأساسية في التنمية الاقتصادية تقوم بتفعيل دور الشباب وتمكينهم من تحقيق التنمية الاقتصادية للوطن، مشيدا بالأهمية القصوى التي توليها مؤسسة شباب الجزائر لمجال ريادة الأعمال وللمؤسسات الناشئة من خلال هيكلها التنظيمي.
وأشار إلى أن مؤسسة شباب الجزائر قد خصصت لجنة تهتم بالمقاولاتية والمؤسسات الناشئة الصغيرة والمصغرة، بالاضافة إلى الهيئة القيادية التي تحوي على مستشار يهتم بالتنمية الاقتصادية، كما كشف عن استحداث برنامج وطني موسوم بالشباب والتنمية المحلية خاص بالجانب العملي الموضوعي، والذي يحظى في طبعته الثانية بإشراف من المرصد الوطني للمجتمع المدني ورعاية أربع قطاعات.
وقال بوهريرة "وخلف هذا البرنامج انظمام العديد من الكفاءات في مختلف المجالات على مستوى الجمعية والمهتمين بمجال التنمية الاقتصادية والمؤسسات الناشئة والمصغرة وريادة الأعمال، وهم الآن ينشطون معنا في تجسيد برامجنا ونشاطاتنا".
ولفت ذات المتحدث إلى السعي لفتح الآفاق أمام هذه الكفاءات الشابة لتجسيد مشاريعهم من خلال مختلف اللقاءات أو من خلال التنسيق الذي تقوم به المؤسسة مع السلطات الرسمية والمركزية، بالإضافة إلى المساهمة بالمقترحات من خلال كفاءات منظمي المؤسسة في تحسين منظومة ريادة الاعمال وتفعيل دور المؤسسات الناشئة وكذلك في تحسين تطلعات الدولة لتمكين الشباب واشراكهم في الحياة العامة.
وبالحديث عن عدد الشباب المنخرطين في المؤسسة، كشف بوهريرة عن الزيادة التي يعرفها هذا المجال من شباب طموح في مختلف المجالات على غرار المؤسسات الناشئة، معتبراً ريادة الأعمال متنفس أمل للشباب في استقلاليته المالية بدرجة أولى، وكذلك في المساهمة في النمو الاقتصادي.
وشرح التحول من فكرة الطالب الجامعي التقليدي إلى الطالب الجامعي العملي، أين كان في وقت ما الطالب الجامعي عند تخرجه يبحث عن الوظيفة، واليوم من خلال ريادة العمل وتنمية روح المقاولاتية لديه، أصبح الطالب الجامعي في حد ذاته متخرج من الجامعة هو من يقوم بفتح آفاق تشغيل شباب آخرين معه في مشروعه الخاص، وهذا ما يطمئن على الشباب -حسب محدثنا- بحيث أنه يسمح لهم بتجسيد قرارات وقناعات البلاد ومنح المشعل للشباب بأن يكون مساهما في خدمة وطنه من خلال العديد من المجالات على غرار المجال الاقتصادي والتنموي.
وقال ذات المتحدث أن خلق روح المقاولاتية لدى الشباب وتعزيز مكانة ريادة العمل بالمنظومة الاقتصادية والمنظومة الوطنية، يوحي بالتنبأ والاستبشار بمستقبل الجزائر في تحقيق الاكتفاء الذاتي، وبالتالي تحقيق الأمن القومي ويكون هذا كله بسواعد شبابية جزائرية مخلصة طالما اثبتت قدرتها ومكانتها على الصعيد الوطني والدولي لتحقيق ما ينبغي للوطن.
وفي ذات السياق، أفاد بوهريرة أن أهم تحدي يواجه رواد الأعمال هو التخوف من مصادر التمويل أولاً باعتباره العمود الأساسي لبناء المشاريع، واليوم الجزائر تمكنت من استحداث الترسانة القانونية والآليات وتخصيص العديد من المنابر التي تساهم في تمويل مشاريع الشباب، على غرار الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية، الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار بالنسبة للمشاريع الكبرى، وهذا كله من شأنه طمأنة وتحسيس الشاب بتواجد السلطات العمومية معه ومرافقتها له في تسيير مشروعه.
ولفت إلى تخوف الشاب من عدم وجود سوق أو ضمانات لتجسيد مشروعه على أرض الواقع وتسويقه إلا أنه بفضل القيادة الرشيدة لرئيس الجمهورية تم توقيف استيراد المنتوجات التي يمكن تصنيعها وتسويقها محليا، وهذا من شأنه ضمان سوق إضافية للشباب الجزائري من خلال المشاريع بحيث أن الدولة تركز على المنتوج المحلي وهذا كله في صالح الشباب.
وشدد بوهريرة على ضرورة إيمان الشباب وخاصة حاملين الفكر المقاولاتي ورواد الأعمال بأن البلاد منفتحة حقيقةً على شبابها، واليوم أصبح للشاب مكانته وامكانية أن يجسد مشاريعه الخاصة، ناصحاً الشباب بالايمان ببلده والايمان بمشروعه وهذا يكون من خلال دراسة جدوى مثالية وحقيقية للمشروع من شأنها أن تدر عليه بالنتيجة الايجابية التي ينتظرها محيطه في اطار تجسبد برنامجه ومشاريعه.
وأضاف أن هذا ما يساهم في تمكين الشباب وابراز مكانتهم في الساحة الوطنية وفي ترقية النمو الاقتصادي ويعطي المثال الحقيقي لما يمكن للشاب أن يقدمه في ظل الاصلاحات التي باشرت بها البلاد.
وأشاد بوهريرة بالانفتاح الذي تشهده البلاد على الشباب، مؤكدا أنه ما يجعل الشباب يحس بالحافز، خاصة وأن هذا يتزامن مع عيد الاستقلال والشباب هذا الأخير الذي رفع التحدي في وقت مضى من أجل أن تستقل بلاده وتنتصر.
أمثلة عن قوّة الإصرار والطموح لتشكيل ملامح المستقبل
وفي مثال حي لانشاء الطلبة لمشاريع ابتكارية، شرحت اشراق، طالبة متخرجة من المدرسة الوطنية العليا للمناجمنت "ماستر 2" وكذلك صاحبة مشروع، أن مشروعها تحت عنوان "مشروعي أون لاين" وهي منصة رقمية قانونية تقدم مجموعة من الخدمات القانونية لجميع فئات المجتمع سواء المواطن البسيط أو المؤسسات، الطلبة وكذا الدكاترة والأساتذة، مؤكدة أن المشروع جاء تحت شعار "معرفة القانون حق لكل مواطن" ويأتي تلبية لحاجات الأشخاص اليومية والذي يقدم العديد من الشكاوي والعرائض لمساعدة الطلبة في إنجاز بحوثهم القانونية.
وبالحديث عن فكرة المشروع، قالت ذات المتحدثة "قمت بالتركيز على التعريف بمختلف القوانين التي تخدم المواطن تماشياً والمادة 60 من الدستور مفادها "لا يعذر بجهل القانون"مؤكدة ضرورة إطلاع المواطن على القانون لمعرفة حقوقه وواجباته".
وتابعت حديثها "الفكرة بدأت منذ سنة 2021 أين كنت بحاجة في السنة الأولى من الجامعة إلى معرفة محتوى بعض القوانين فقررت البحث في مختلف المنصات التي تشرح ذلك، ولكن تعذر ايجاد منصات مختصة، فجاءت الفكرة وقمت في البداية بفتح صفحات لتقديم معلومات حول مختلف القوانين التي استوعبتها في الفصل الأول من الدراسة وقمت بالبحث عن مختلف القوانين في الكتب، وأجريت محاكاة بين القوانين الجزائرية والدول الأخرى ولاقت الصفحات استحسان الطلبة.
وأوضحت شايش اشراق أنها تلقت العديد من العروض والشكاوي ومختلف الاقتراحات، ومن هنا قامت بتوسيع دائرة المشروع وتم طرح الفكرة على مجموعة من الأساتذة الذين ثمنوها لتكون اليوم منصة قانونية تحتوي على جميع الخدمات وجميع الفئات وأصبحت هذه المنصة تخدم المؤسسات والمواطنين.
وحسب صاحبة المشروع فإن المنصة تضم مجموعة من الخبراء المحامين والمستشارين والخدمات، إلى جانب قسم خاص بالشكاوي والعرائض، وجزء آخر يحتوي على مكتبة قانونية مخصصة للطلبة ومقسمة إلى جانبين الأول خاص بالدروس والجزء الآخر مخصص للامتحانات ومختلف المسابقات، فيما تم تخصيص جزء للدكاترة لنشر أعمالهم وتكفلهم بالمكتبة القانونية لمشاركة الطلبة في مختلف المعلومات.
وحسب قولها فإن أهم تحدي واجه اشراق شايش منذ بداية هذا المشروع هو انعدام ثقافة الرقمنة في الجزائر وعدم تقبل فكرة طرح المشكل الخاص على مستوى المنصة خوفاً من عدم توفر الأمان والسرية، مشيرة إلى مشكل آخر يتمثل في الثقة، مؤكدة أن المنصة استطاعت توفير هذا العامل بالعمل والخدمة الممنوحة على مستواها.
وبخصوص تنفيذ المشروع، عبرت محدثتنا عن اهتمامها البالغ بمجال القانون من خلال احتكاكها بعدد من الدكاترة والأساتذة في مسارها الجامعي، وشغفها بنجاح هذا المشروع وشددت على ضرورة تحلي الشباب بالإرادة، مؤكدة أنه مهما كانت الفترة طويلة لكن ستكون النتيجة رائعة ومشرفة مع التحلي بالجرءة والتحدي لبلوغ النجاح.
وفي نموذج آخر لطالب طموح وهو في صدد بلوغ مجال ريادة الأعمال من خلال فكرة مشروعه، أوضح الشاب فتيتح الطيب أن ميدان ريادة الأعمال قبل سنوات كان مبهما نوعا ما خاصة مع غياب الآليات ومرافقة الدولة، لكن بعد السياسة الرشيدة لرئيس الجمهورية هي عهدتيه الأولى والثانية أصبح هذا الميدان جد واضح بالنسبة للطالب الجامعي الجزائري، من خلال تفعيل آليات مضبوطة وقوانين تشريعية تدعم هذا المجال، داعياً الشباب إلى ضرورة الانخراط في هذا الميدان الفعال الذي يعود بالفائدة على الطالب وعلى البلاد.
ويرى محدثنا أن ريادة الأعمال في الوسط الجامعي تشهد ديناميكية وحركية كبيرة خاصة في السنوات الأخيرة من خلال انخراط الطلبة الجامعيين في مختلف الوجهات التي وضعتها وزارة التعليم العالي، سواء من حاضنات أعمال جامعية أو حتى مراكز تطوير المقاولاتية.
وبالحديث عن توافد الطلبة لعالم المقاولاتية في الوسط الجامعي، كشف فتيتح الطيب أنه في السنوات القليلة الماضية كان الإقبال قليل جداً، ومن خلال إيمان الطلبة بهذه الواجهة أصبح اليوم مقصداً للطلبة، على غرار حاضنة الأعمال الجامعية، مشيراً إلى فكرته التي ستكون على شكل مذكرة تخرج وهو في صدد التحضير لها.
المقاولاتية خيارٌ استراتيجي في ظل تراجع التوظيف الكلاسيكي
وفي سياق ذو صلة، أكد الدكتور رضوان عباسي باحث في مجال المناجمنت وريادة الأعمال، أن الجزائر تشهد منذ سنوات طفرة نوعية في مجال الاهتمام بريادة الأعمال، خصوصًا بعد أن أصبحت خيارًا استراتيجيًا في ظل تراجع التوظيف الكلاسيكي، وتحول الاقتصاد نحو التنويع والتحول الرقمي، مشيراً إلى 3 ملامح رئيسية منها إرادة سياسية واضحة، حيث يعرف المجال دعم من أعلى المستويات في إطار تطوير بيئة ريادة الأعمال، يظهر ذلك من خلال تأسيس وزارة خاصة، ومضاعفة الاستثمار في المؤسسات الناشئة، واعتماد حوافز جبائية وتنظيمية واضحة، مثل قرار دمج المؤسسات الناشئة في الطلب العمومي.
وأضاف إلى انتقال البنية الداعمة من التوسع في الحاضنات الجامعية ومراكز الابتكار، وإطلاق صناديق دعم مثل "صندوق ASF"، ومرافقة أكثر تخصصًا في المجالات التقنية والرقمية، مشيراً إلى تنامي الوعي الريادي لدى الشباب من خلال ارتفاع نسبة الطلبة الذين يفضلون بناء مشاريعهم الخاصة عوض التوظيف، وبروز مبادرات ناشئة ناجحة في مجالات الذكاء الاصطناعي، الصناعة الصيدلانية، الري الذكي، والتكوين المهني الجوي.
ويرى عباسي أنه مع ذلك، ما زالت البيئة في مرحلة "النضج المبكر"، وتحتاج إلى تنسيق أكبر بين الفاعلين، وتحديث بعض المنظومات القانونية والإدارية لتواكب ديناميكية الميدان.
وبالحديث عن دور المقاولاتية في تحسين الحياة العملية للشباب، أوضح محدثنا أن المقاولاتية لم تعد فقط فرصة للهروب من البطالة، بل أصبحت وسيلة فعالة لبناء هوية مهنية جديدة للشباب، وتعزيز استقلاليتهم الاقتصادية والفكرية، مبرزا أهمية خلق فرص العمل الذاتي باعتبار أن المشروع المقاولاتي يُمكن الشباب من أن يكونوا منتجين لا مستهلكين للفرص، وأن يخلقوا مؤسساتهم بدل انتظار وظيفة.
ونوه الباحث في مجال المناجمنت وريادة الأعمال إلى ضرورة نقل المهارات إلى الميدان لأن المقاولاتية تتيح للشباب ترجمة تكوينهم العلمي والتقني إلى مشاريع واقعية، وتُحفزهم على التعلم المستمر والتكوين التطبيقي، مضيفاً أن المشاريع الناشئة أصبحت تفتح الباب أمام التعاون الدولي، التمويلات الخارجية، وربط الجسور مع الجالية الجزائرية ذات الكفاءة العالية في الخارج.
وتطرق عباسي إلى أهمية تحفيز الابتكار والتجريب لأن روح المبادرة تجعل الشباب أكثر قدرة على اقتراح حلول محلية لمشاكل اجتماعية واقتصادية، وهو ما نراه -حسب محدثنا- في المشاريع التي تدمج الرقمنة بالفلاحة أو الصناعة أو التعليم، أوالمقاولاتية، معتبراً إياها أداة لتفعيل "المواطنة الاقتصادية" وتمكين الشباب من الإسهام المباشر في بناء مستقبلهم ومجتمعهم.
وفي ذات الصدد، أوضح عباسي أنه بالرغم من الديناميكية الكبيرة التي يشهدها الميدان، إلا أن رواد الأعمال يواجهون جملة من التحديات كصعوبات التمويل، مؤكداً أنه لا تزال الفجوة كبيرة بين الخطاب والواقع فيما يخص التمويل المبك، فالصناديق موجودة لكن معايير الانتقاء معقدة، والآليات أحيانًا لا تراعي طبيعة المؤسسات الناشئة، مشيراً إلى أن هذه التحديات هي طبيعية في المراحل الانتقالية، ويمكن تجاوزها بتكامل الجهود المؤسساتية، والوعي الذاتي لدى الشباب المقاول.
ونصح محدثنا الشباب وكل من يخطط لإطلاق مشروعه المقاولاتي، بالبداية من الحاجة لا من الفكرة مع التركيز على حل مشكلة واقعية يعيشها الناس، وليس فقط على مشروع جميل على الورق، معتبراً صقل المهارات أهم من التمويل من خلال التركيز على التكوين والاستشارة، وفهم الزبون قبل البحث عن الأموال.
كما شدد عباسي على أهمية تكوين فريق يؤمن بالمشروع لأن النجاح لا يبنى وحده، فإختيار شركاء يكملون المشروع معرفيًا وسلوكيًا من أهم مراحل النجاح، بالإضافة إلى العمل على المدى الطويل وعدم توقع نتائج فورية، فالنجاح يحتاج إلى تدرج، تصحيح المسار، والإصرار.
وأوضح أن الشبكات الريادية، المعارض، المنتديات، حتى الزيارات الدولية، تعد فرص ذهبية لتوسيع الرؤية والتعلم، وكذا عامل إدارة الفشل والتقييم الذاتي لأن كل تعثر هو خطوة في طريق النضج المقاولاتي إذا تمت قراءته بذكاء، مفيداً أنه من المهم أن يفهم المقاول أنه ليس موظفًا عند فكرته، بل هو خالق لمسار اقتصادي قد يخدم مجتمعه ويوفر مناصب شغل ويخلق قيمة حقيقية.
وفي ختام حديثه، هنأ الشعب الجزائري بذكرى الاستقلال الثالثة والستين، مستذكرا تضحيات من حرروا الوطن بالسلاح، وأدركوا أن معركة اليوم هي التحرر الاقتصادي والمعرفي، معتبراً ريادة الأعمال هي امتداد حضاري لنفس روح الاستقلال، كالاستقلال بالفكرة، بالابتكار، وبخلق فرص جديدة للمجتمع.
وقال "فلنجعل من مشاريع شبابنا مقاولات تحمل راية الجزائر إلى المستقبل، بمنتجات جزائرية، خدمات تكنولوجية تنافس، وأثر إيجابي يعود بالنفع على كل مواطن".
إرادة سياسية واضحة مكنت المرأة من النجاح
وفي سياق ذي صلة، لعبت المرأة الجزائرية دوراً بطوليا جنبا إلى جنب مع الرجل إبان الحرب التحريرية في مواجهة المستعمر، وما تلاها في مرحلة البناء والتشييد، فاستحقت الترقية لتكون شريكة في التنمية المحلية في بلد مر بعدة مراحل انتقالية طبعتها تغيرات مجتمعية، وتحديات داخلية وخارجية أثرت فيه سلبا وإيجابا، الأمر الذي دفعها لتحمل المسؤولية تجاه الوطن.
وفي مثال للمرأة المقاولة التي برزت في عالم ريادة الأعمال نسرين آيت وعرب، سيدة أعمال ومؤسسة منصة "مقاول ومقاولة" الخاصة بالمرأة الجزائرية ورواد الأعمال بصفة عامة، أكدت في حديثها لـ"بركة نيوز" أن المنصة جاءت فكرتها على أساس دعم المرأة وبعث رسالة واضحة لها من أجل بلوغ ريادة الأعمال وإنجاز مشاريع وتجسيد أفكار تخدم نفسها وبلادها.
وأوضحت أن هذه المنصة جاءت لتغيير نظرة المرأة للمرأة ودعم بعضهن البعض للنجاح والازدهار مستقبلا، حيث سخرت هذه المنصة دورات، معلومات، استشارات، مرافقة لإنشاء المشاريع، مؤكدة أن التحدي الوحيد الذي واجهها في انشاء هذه المنصة هو الاختلاف في العقليات التقليدية.
وأكدت آيت وعرب مساعي الدولة الجزائرية التي كرست العديد من الجهود لدعم المرأة الجزائرية والمقاولة، شاكرة مجهودات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في تشجيع المرأة على بلوغ ريادة الأعمال بقوة ودون الخوف من العراقيل، مشددة على ضرورة الحفاظ على الوطن والمساهمة في ازدهاره باعتباره أمانة ثمينة تركها الأجداد.
قرارات جزائرية جيوسياسية تعزز مكانة الجزائر وتسترجع أحداثها التاريخية
وبالعودة إلى ملف الذاكرة الوطنية الذي سيبقى في صميم انشغالات السلطات الجزائرية، حتى تتحقق معالجته بموضوعية، جريئة ومنصفة للحقيقة التاريخية، أوضح أحمد مزاب مختص في القضايا الأمنية والاستراتيجية، أنه عند الحديث عن الجزائر صاحبة الرصيد والتجربة سواء كان في مواجهة آلة الاستدمار والتي تحولت بإقرار عالمي وبمرجع للحركات التحررية، ساهمت وتحركت بشكل كبير جدا في إطار عملية البناء والتشييد من خلال إرادتها الوطنية وسيادتها الوطنية وكذا ثروتها البشرية والاستثمار في أبنائها.
مشيرا إلى التحول والتطور والمكانة التي تحظى بها الجزائر سواء كان في محيطها الاقليمي أو حتى في بعدها الدولي وصوتها المقبول الذي يحظى بالمصداقية، مؤكداً أن الجزائر اليوم ترافع من أجل ملفات كبرى وتعتبر بأن ملف الذاكرة ليس "ملف ظرفي ولا لحظي ولا يعالج مرحلة بل هو ملف يعتبر صمام الأمان وضامن لمستقبل الأجيال".
وقال بهذا الخصوص "هذا ما يستوعبه صانع القرارات في الجزائر ورأيناها في ترجمة لقرارات رئيس الجمهورية سواء كان في إقرار يوم للذاكرة أو في تشكيل لجنة تعنى بملف الذاكرة من أجل فضح الجانب الفرنسي ".
وأضاف مزاب أن الجزائر حولت ملف الذاكرة إلى أحد المحاور الأساسية في سياستها الخارجية، وهي تدعو إلى العدالة الجيوسياسية بمعنى إلى "مبدأ الانصاف" في التحمل المسؤولية، ومعالجة الاختلالات الحاصلة في موازين القوى في الساحة الدولية، والتحول إلى بناء نظام عالمي عادل متعدد الأقطاب لا يقوم على مبدأ القوة ولا مبدأ الاستبداد، وكذا مرافعة الجزائر في إطار إصلاح هيئة الأمم المتحدة وتسليط الضوء على ظلم التاريخ على القارة الافريقية.
وتابع حديثه قائلا "كل هذا يترجم الرصيد والبعد والمفهوم الذي تشتغل عليه الجزائر عبر مستويات مختلفة من خلال إرادة سياسية واضحة تؤكد عليها في كل محطة"، مشدداً على ضرورة استيعاب الأجيال القادمة لملف الذاكرة الوطنية وادراكهم بأن للجزائر تاريخها وذاكرتها وكذلك رصيد يجب الوقوف أمامه لادراك قيمة الاستقلال والتحرر وكذا قيمة الأرض والسيادة الوطنية.
وفي ذات الصدد أشار المختص في القضايا الأمنية والاستراتيجية، إلى وجود لجنة تعني بملف الذاكرة وتشتغل عليه وتفتح النقاش حول هذا الموضوع وهذا في حد ذاته إرادة سياسية حية قوية ليست ظرفية وليست محدودة بقدر ما هي مفتوحة من أجل المستقبل ومن أجل الأجيال القادمة.
وقال بالمناسبة "أن هذه المحطة ليست فقط للاحتفال والتذكر، بقدر ما هي محطة نرسم بها الغد والمخطط".
عباد يشدد على ضرورة تفعيل قانون تجريم الاستعمار
ومن جهته أكد محمد عباد رئيس جمعية مشعل الشهيد، أن الاحتفال بذكرى الـ63 لاسترجاع السيادة الوطنية، هي رسالة موجهة للشباب الجزائري لحفظ الذاكرة الوطنية وذاكرة الشهداء، مطالبا بأن يخرج قانون تجريم الاستعمار الموجود على مستوى البرلمان الجزائري، إلى النور.
وأكد عباد أن قانون تجريم الاستعمار يعد قانون جديد وعبارة عن "بيان أول نوفمبر ثاني"، لأن بيان نوفمبر الأول كان موجه إلى المجاهدين والشهداء، مشيدا بالتزام رئيس الجمهورية منذ انتخابه بالحفاظ على الذاكرة الوطنية والحفاظ على رسالة الشهداء، واصفاً إياه بحامي الذاكرة الوطنية من خلال مجمل الأعمال والمبادرات المتميزة التي قام بها.
وقال عباد "نحن نحتفل بهذا اليوم بكل فخر، ويجب أن نخصص هذا اليوم لأنشطة متنوعة خصوصًا في المدارس، لأن شباب اليوم هم الأمل في المستقبل، والجمعية مستعدة لتسليم المشعل والأمانة للأجيال القادمة، مشدداً على دور الجالية الجزائرية في الخارج، مشيرًا إلى أنها كانت قدوة في إحياء اليوم الوطني للشهيد في الخارج، وأنه من المهم جدا أن تواصل هذه الجالية دورها في التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات إلى الجزائر."
ولفت إلى أن الجزائر اليوم تسعى إلى تحقيق الاستقلال الاقتصادي والمعرفي، وهو هدف أساسي منذ استقلالها، يهدف إلى بناء اقتصاد قوي ومتنوع، وتطوير القدرات المعرفية والعلمية، والتقليل من التبعية للخارج.
وفي الأخير، ستبقى الجزائر رغم كل الظروف صامدة مستقلة حامية لبلادها وسيادتها بسواعد مواطنيها وشبابها، وستبقى مرحلة البناء والتشييد مستمرة إلى أن تبلغ مبتغاها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.