34

0

بين النقد والهدم.. السلطة الوطنية على مفترق طرق

 بقلم الأسير: رائد نزار عبد الجليل

منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو، لم تتوقف الأسئلة والانتقادات حول دورها ومكانتها في المشروع الوطني.

ومع مرور الوقت، وخصوصاً بعد الانتفاضة الثانية، أصبح كثيرون ينظرون إليها كعائق أمام أي مسار تحرري جدي.

هذا الجدل مشروع ومطلوب، لكن الإشكالية تكمن حين يتحول النقد إلى دعوات لهدم السلطة بالكامل، في انسجام غير مقصود مع ما يريده قادة الاحتلال أنفسهم.

صحيح أن السلطة ارتكبت أخطاء فادحة، وأن الفساد نخر مؤسساتها، وأن سياساتها الأمنية والاقتصادية كثيراً ما اصطدمت مع وجدان الشارع الفلسطيني.

وصحيح أيضاً أن الانقسام السياسي مزّق بنيتها وأضعف شرعيتها.

لكن مع ذلك، لا يمكن إنكار حقيقة أن السلطة مثلت في لحظة تاريخية إنجازاً وطنياً: كيان فلسطيني على أرض فلسطين، بصفة سياسية وقانونية اعترف بها العالم.

ياسر عرفات، مؤسس هذا المشروع، كان يرى في السلطة محطة على طريق أطول نحو الاستقلال.

لم يكن يراها نهاية المطاف، بل خطوة تكتيكية في مسيرة التحرر، ولعل إخلاصه لفلسطين يتجسد في عبارته الشهيرة: “أريد أن أموت على أرض فلسطين”، وهو ما تحقق حين استشهد محاصراً في المقاطعة.

اليوم، الخطر أكبر من أي وقت مضى، الاحتلال، بقيادة رموز التطرف مثل سموتريتش وبن غفير، يسعى علناً لتدمير أي كيان فلسطيني قائم.

انهيار السلطة بالنسبة لهم ليس مجرد هدف، بل خطوة أساسية لتكريس واقع استيطاني شامل، وإعادة فرض الإدارة العسكرية المباشرة.

في المقابل، بعض الأصوات الفلسطينية –بدافع الغضب من الفساد– تردد ما يشبه صدى هذه الدعوات، وكأن سقوط السلطة سيعاقب الفاسدين.

بينما الحقيقة أن هؤلاء لن يتأثروا، فقد أمنوا مستقبلهم وأموالهم في الخارج، فيما الشعب هو الذي سيدفع الثمن كاملاً.

المطلوب اليوم عقلانية سياسية لا عاطفة، نعم، يجب فضح الفساد ومحاسبة المفسدين بلا تردد.

نعم، من حق الناس أن يعترضوا على السياسات الأمنية والاقتصادية التي أضعفت صمودهم، لكن لا يجوز أن يتحول هذا الاعتراض إلى موقف يصب في مصلحة الاحتلال.

المطلوب ليس هدم السلطة، بل إصلاحها وتحويلها من كيان هشّ إلى رافعة وطنية.

الخلاصة واضحة: إذا كان الاحتلال وأمريكا يعملان ضد أي كيان فلسطيني، فالمصلحة الوطنية تقتضي العكس.

علينا أن نتمسك بما هو قائم، نصلحه ونطوره، ونوجهه ليكون سنداً للمقاومة والصمود، لا عبئاً على الناس.

النقد واجب، لكن الانهيار مرفوض، لأن ثمنه سيكون كارثياً على الشعب لا على الفاسدين.

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services