148

0

بَعْدَ انْتِهاءِ الحَرب!

 

شعر: محمد شريم

 

بَعدَ انْتهاءِ الحرْبِ، أو قَبْلَ النّهايةْ..

يَتَساءَلُ المُتَحَذْلِقُوْنَ بِكُلِّ أَقْطارِ الضَّبابِ،

 وكُلِّ أَرْوِقَةِ الرُّهابِ،

 عَنِ الَّذي بَدَأَ البِدايَةَ والّذي ارتَكبَ الجِنايةْ!

وَجَميعُهُمْ يُذْكي فَتِيْلَ تَأَمُّلٍ وتَعَلُّلٍ..

وكَبِيرُهُمْ يُدْلِي دِلاءَ تَفَكُّرٍ، وَتَدَبُّرٍ،

 فَلَعَلَّها تَرْويهِ مِنْ بِئرِ الدِّراية ْ..

وَيُنَظِّرونَ، يُحَلِّلُونَ، يُنَاقِشُونَ، يُجَادِلُوْنَ،

يُقَدِّمُوْنَ، يُؤَخِّرونَ، بِعِلْمِهِمْ وَبِظَنِّهِمْ،

وَيُوَصِّفُوْنَ بِما أَرادُوا بِالإِشَارَةِ، والرُّمُوزِ، وَبِالكِنَايَة..

لكِنَّهُمْ – يا سَيِّدِي – الحِيْتانُ في بَحْرِ الغِوايَةِ.. والدِّعايَةْ..

فَإِذا الْتَمَسْتَ جَوابَهُمْ،

هَيْهَاتَ أَنْ تَجِدَ الّذي يُبْدِي الحقِيْقَةَ مُعْلِناً أَصْلَ الحِكَايَةْ!

بَعْدَ انْتِهاءِ الحَرْبِ أَو قَبْلَ النِّهايةِ، فَيْ مَيادينِ السِّياسَةْ..

يَتَوالَدُ المُتَطَفِّلونَ البَاحِثُونَ عَنِ الزَّعامَةِ والرِّياسَةْ..

يَتَفاخَرونَ بِكُلِّ ما فَعَلوا، وما لَمْ يَفْعَلوا..

وَبِأَنَّهُمْ خُبَراءُ أَو حُكَماءُ هذا العَصْرِ

 في ساحِ الدِّراسَةِ والفِراسَةْ..

وَبِأَنَّهُمْ قَدْ أَظْهَروا

مِنْ أَجْلِ تَحْقِيْقِ السَّلامِ وَنَشْرِ أَسْرابِ اليَمامِ

 جَمِيْعَ أَلْوانِ البَراعَةِ والشَّجاعَةِ والحَماسَةِ والشَّراسَةْ!

وَبِأَنَّهُمْ – حَاشَا وَكَلاّ –

لَمْ يَبِيْعوا النَّاسَ في سُوقِ النِّخاسَةْ!

وَسَيُشْهِدونَ اللهَ دَوْماً أَنَّهُمْ

لَمْ يَرْتَدوا إِلاّ ثِيَابَ الطُّهْرِ

مُذْ كَانَ الزَّمانُ فَإِنْ أَصَابَتْ كَفَّهُمْ وَجُيُوْبَهُمْ

عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ – صُدْفَةً - بَعْضُ النَّجاسَةِ والدَّناسَة..

يَكْفِيْ بِاَنَّ قُلُوْبَهُمْ رَمْزُ الطَّهارَةِ والقَداسَةِ!

* *

بَعْدَ انْتِهاءِ الحربِ، أَو قَبْلَ النّهايةِ سوفَ يَنطلقُ السِّباقْ!

وَيَجِيءُ مَنْ لَبِسوا عَباءاتِ الأُخُوَّةِ كُلُّهمْ، أَو جُلُّهمْ،

وَيَقومُ مَنْ رَفعوا شِعاراتِ الرِّفاقْ..

سَيُقابِلونَكَ مِثْلَما لَمْ تَحْتَسِبْ..

وَيُصافِحُونَكَ بِالمَوَدَّةِ والمَحَبَّةِ وَالعِناقْ!

سَتَجِيْءُ كِلْتا الفِرْقَتَيْنِ بِهِمَّةٍ، فِي المَوْقِفَيْنِ كِلَيْهِما:

إِنْ حَلَّ نَصْرٌ أَوْ إِذا وَقَعَتْ هَزيمةْ..

وَتَروحُ ثالثةٌ بَعِيْداً .. لا تُطِيقُ القُربَ في هذا السِّياقْ!

وَلَسوفَ يُرغي ثُمَّ يُزْبِدُ بَعْضُهم

وَتَظُنُّهُ يُلْقي عَلَيْكَ قَصِيْدَةً غَزَلِيَّةً

 أَوْ بَعْضَ أَبْياتِ المَديحْ..

إِنْ كَانَ بِالتَّلْميحِ أَو في جُرأَةِ القَوْلِ الصَّريحْ..

وَلَسَوْفَ يَعْبِسُ بَعضُهم مَتَبَسِّماً،

 ولَسوفَ يَفْرَحُ غَيرُهم مُتجهِّماً..

وَلَسَوفَ يُنْشِدُ آخَرونَ تَجَمُّلاً بِعِواءِ ذِئْبٍ جائِعٍ

يَجري بِأَطْرافِ المَدينةِ دونَ أَنْ يَلِجَ الزّقاقَ تَخَوّفاً

 إنْ ذابَ وَجْهُ البَدْرِ في بَحْرِ المَحاقْ!

وَلَسوفَ تَسْمَعُهم جَمِيْعاً..

إنّما سَتَشُقُّ ثُمَّ تَشُقُّ مَعْرِفَةُ الذي

فِيْ صَدْرِهِ قَلْبُ الغَزالَةِ والذي فِيْ قَلْبِهِ سُمُّ النِّفاقْ!

* *

بَعد انتهاءِ الحَربِ يا لُغَتي الرَّشيدةْ..

وَجَلاءِ هَبَّاتِ الغُبارِ وَصَمْتِ أَفواهِ المَدافِعِ والبَنادِقْ..

سَيَحِيْنُ لِلشُّعَراءِ أَنْ يَضَعوا مَعَ الأَهوالِ خَاتِمَةَ القَصِيدَةْ!

وَسَيَكْتُبونَ بِدَمْعِهِمْ وَدِمائهم وَيُصَنِّعونَ مِدادَهُمْ

 بِسناجِ أَدْخِنَةِ الحرائقِ والمشاعِلْ..

وَيُوَجِّهونَ مَدِيْحَهُمْ وَهِجاءَهُمْ

 لِجَمِيْعِ أَشرافِ البِلادِ وكُلِّ فُجّارِ القَبائلْ!

وَيُزَخْرِفونَ القَوْلَ حُسْناً

بِالبَديْعِ وَبِالجِناسِ وبِالطِّباقِ وَبِالتَّراكِيْبِ الجَديدةْ..

وَيُموِّهونَ كَلامَهُمْ وَسِهامَهُمْ

بالإسْتِعاراتِ الجَمِيْلَةِ والمَجازِ

وَيَلْهَجونَ بِكُلِّ ألوانِ الحَقِيْقَةِ والخَيالْ!

وَبِكُلِّ ما قَدْ أَبْدَعوا مِنْ أَوْجُهِ النَّظْمِ الفَريدَةْ..

لكِنَّهُمْ لَنْ يُحْسِنوا التَّعْبِيْرَ

عَمَّا كَانَ مِنْ تَحْتِ الرّكامِ يَدورُ في نَفْسِ الوَئيدَةْ!

* *

بَعْدَ انْتِهاءِ الحرْبِ - أَو قَبْلَ النِّهايةِ

إِنْ تَوَقَّفَ سَاعَةً سَفْكُ الدِّماءْ -

يَجدُ المُحارِبُ نَفْسَهُ مُتَحَسِّساً أَطْرافَهُ

إِنْ كَانَتِ العَيْنُ البَصِيْرَةُ لَمْ تَزَلْ بِمَكانِها،

 أَوْ كَانَتِ اليَدُ لَمْ تُبارِحْ كِتْفَهُ..

أَمْ أَنَّهُ يَحْتاجُ في غَدِهِ - بَقِيَّةَ عُمْرهِ –

لِجِهازَ قَوْقَعَةٍ يُدَسُّ بَأُذْنِهِ،

وَلَرُبَّما ما عَادَ بَعْدُ بِحاجَةٍ لِلبَحْثِ يَوْماً عَنْ حِذاءْ!

وَلَسَوْفَ يَسْأَلُ بَعْدَ إِمْعانِ التَّأَمُّلِ فِي بَقايا صُوْرَةٍ

كَانَتْ بِجَيْبِ قَمِيْصِهِ تَغْفو عَلى نَبَضاتِ قَلْبٍ مُرْهَفٍ

إِنْ كَانَ فِيْ مِيْزانِ خَاتِمَةِ المَعارِكِ

 ما يُجَفِّفُ دَمْعَةً مِنْ عَيْنِ أُمٍّ لَمْ تَنَمْ..

أَوْ أَنَّ في مِيْزانِها مِنْ كَرْمَةِ الحُلُمِ الجَمِيْلِ حَلاوةً

فَإِذا تَذَوَّقَ حَبَّةً مَعْسولةً مِنْ قِطْفِها

 نَسِيَ الّذي عَاناهُ مِنْ آلامِهِ

وَرأى بِها بَعْضَ العَزاءْ!

* *

بَعْدَ انْتِهاء الحربِ، أَو قَبْلَ النِّهايَة ْ..

سَيَسِيْرُ كُلُّ الغائبينَ بِشَوْقِهِمْ نَحو الرُّجوعْ..

وَهُناكَ - إِنْ بَلَغوا الدِّيارَ - أَمامَهم:

وَجْهٌ تَفَتَّحَ وَرْدُهُ مِنْ بَهْجَةٍ..

شَفَةٌ يَجِفُّ رُضابُها مِنْ خَيْبَةٍ..

قَلْبٌ يَفِيْضُ مَحَبَّةً بَيْنَ الضُّلوعْ..

نَفْسٌ تَقادَمَ لَيْلُها وَظَلامُها مُنْذُ احتِجابِ نُجومِها

حَتّى تَبَدّى ضَوْءُ نَجْمٍ طارئٍ بِسَمائها

فَأَتى وَلَوْ مُتَأَخِّراً عَنْ وَقْتِهِ

لِيُضيءَ في أَعماقِها آلافَ آلافَ الشُّموعْ..

وَلَعَلَّ أَعْظَمَ مَنْ يَكونُ هُناكَ في اسْتِقْبالِهم بَيْنَ الجُموعْ..

هِيَ مُهْجَةٌ مُلْتاعَةٌ .. لا .. لَنْ يَعُوْدَ فَقِيْدُها، وَشَهِيْدُها..

لكِنَّها لَمْ تَحْتَجِبْ أَو تَكْتَئِبْ

وَتَهَلَّلَتْ فَرَحاً لِعَوْدَةِ ثُلَّةٍ مِنْ صَحْبِهِ وَرِفاقِهِ،

وَلِأَجْلِهِمْ قَدْ أَطلقَتْ مِنْ قَلْبِها زُغرودةً

 وَالعَيْنُ تَمْلَؤُها الدُّموعْ!

* *

بَعْدَ انْتِهاءِ الحَربِ، أَو قَبْلَ النِّهايةْ..

يَتَنَسَّمُ المُتَحارِبونَ المُتْعَبونَ المُثْقَلُونَ بِلَهْفَةٍ

 رِيْحَ السَّلامِ وَلَوْ بِأَطْيافِ المَنامْ..

يَتَقَدَّمُ المُسْتَضْعَفونَ إِلى الحُطامْ..

يَجِدُ المُشَرَّدُ فُسْحَةً مِنْ عُمْرِهِ

لِيَعودَ نَحْوَ مَكانِ بَيْتٍ – كَانَ بَيْتاً ذاتَ يَوم ٍ–

 بَاحِثاً عَنْ جُثَّةٍ

كانَتْ أَباً أَوْ زَوجةً ولَرُبّما عَنْ أُسْرَةٍ بَيْنَ الرّكام..

وَيَكُوْنُ فِيْ إِمْكانِ كُلِّ مُعَذَّبٍ بِجِراحِهِ وسَقامِهِ

أَنْ يَمْشِيَ الدَّرْبَ الذي لا ينتهي

 في البحثِ عَن "كَبْسُولَةٍ" أَوْ حَبَّةٍ مِنْ "إسبِرينْ"..

ولَرُبَّما قَلَّ التَّدافُعُ بَيْنَ أَطفالٍ جِياعٍ

 يَنْزِفُونَ كَرامةً

فِيْ رِحْلَةِ البَحْثِ الطّويلَةِ في التَّكايا

 عَنْ قَلِيْلٍ مِنْ طَعامْ!

بَعْدَ انْتِهاءِ الحَرْبِ أَو قَبْلَ النِّهايَةِ

سَوْفَ تَشْتَعِلُ الحَرائِقُ فِيْ هَشِيْمِ الذّكْرَياتْ..

وَلَسَوْفَ يَبْحَثُ كُلُّ مَحْظُوظٍ إِذا نالَ السَّلامَةَ صُدْفَةً

عَنْ خِرْقَةٍ أَوْ صُوْرَةٍ لِلرّاحلِينْ..

وَهُناكَ طِفْلٌ مَا بِعُمْرِ الأقْحُوانِ تَراهُ عَنْ كَثَبٍ تَوَقَّدَ لَهفَةً

لِلْبَحْثِ عَنْ كُرَّاسَةٍ في صَفْحَةٍ مِنْها ثَناءُ مُعَلِّمٍ

كَانَتْ بِجَيْبِ حَقِيْبَةٍ

فِيْ جَيْبِها أَيْضاً كِتَابُ دِراسَةٍ فِيْ مَتْنِهِ

قَصَصٌ عَنِ الأَجْدادِ قَدْ رُوِيَتْ وَثَمَّ قَصِيْدَةٌ

يَحْكِيْ بِها المَحْزُوْنُ عَنْ أُخْتِ الحَمامْ..

* *

بَعْدَ انْتِهاءِ الحَرْبِ ،

 أَو قَبْلَ النِّهايةِ ٌقَدْ توافي الأُمَّ أَفْضَلُ فُرْصَةٍ

لِتَعُدَّ مَنْ لَمْ يَنْجُ أَوْ لَمْ يَقْضِ مِنْ أَبْنائها

 دونَ ارْتِيابٍ أَو شُكُوكٍ في الحِسابْ..

هَذا الكَبِيْرُ مُطارِدٌ.. وَمُطارَدٌ..

هذا شَريْدٌ خائفٌ.. هَذا جَرِيحٌ نازِفٌ..

هّذا بَعِيْدٌ مُبْعَدٌ.. هَذا مَريضٌ مُقْعَدٌ..

هَذا شَهِيْدٌ راحِلٌ،

 وَأَخُوهُ مُذْ بَدَأَ القِتالُ يُعَدُّ مَجْهولَ المَكانِ

 يَتِيْهُ في بَطْنِ الغِيابْ..

بَعْدَ انْتِهاءِ الحَرْبِ أو قَبْلَ النِّهايَةِ

حِيْنَما عَمَّ الخَرابْ..

سَيَعودُ شَيْخٌ طَاعِنٌ فِي السِّنِّ

 حَتّى يَسْتَريحَ بِخَيْمَةٍ أُخرى مَكانَ بِنايَةٍ

لَمْ يَبْقَ مِنْها غَيْرَ أَكْوام الحِجارةِ بينَها

بَعْضُ الذي لَمْ تَنْتَبِهْ لِوُجودِهِ

نيرانُ سَيِّدَةِ القنابل مِنْ حُطاماتِ الأثاثِ

 ومِنْ قُصاصاتِ الثِّيابْ..

وَلَرُبَّما يَحْظى بِشُربِ الشَّايِ وَهْوَ مُعَطَّرٌ

بِغُصَينِ نَعْناعٍ نَجا مِنْ وَطْأَةِ الجَنْزيْرِ فَي أُعْجُوبَةٍ

وَسَطَ الحَدِيْقَةِ قَبْلَ أَنْ يُروى بدَمْعٍ

 أَمْطَرَتهُ تَحَسُّراً عَيْنُ السَّحابْ..

بَعْدَ انْتِهاءِ الحَرْبِ أَو قَبْلَ النِّهايَةِ سَوْفَ يَنْفُثُ بَائسٌ

لَيلاً دُخانَ لُفافَةٍ والكَوْنُ فِيْ آفاقِهِ

بَحْرٌ مِنَ الظُّلُماتِ صَارَ وَلَيْسَ يَدريْ مُوقِناً

إِنْ كَانَ مَا يَلْقاهُ مِنْ أَمَلٍ يُداعِبُ نَفْسَهُ

سَيَقُوْدُه – حقّاً - إِذا طَلَعَ النَّهارُ لِواحَةٍ غَنَّاءَ في صَحرائهِ

أَو أَنَّهُ بَعْضُ السَّرابِ

وَلَيْسَ يَبْقى حَوْلَهُ إلاّ المَدافِعُ والحِرابْ!

إلاّ المَدافِعُ والحِرابْ!

بَعْدَ انْتِهاءِ الحَرب!

شعر: محمد شريم

بَعدَ انْتهاءِ الحرْبِ، أو قَبْلَ النّهايةْ..

يَتَساءَلُ المُتَحَذْلِقُوْنَ بِكُلِّ أَقْطارِ الضَّبابِ،

 وكُلِّ أَرْوِقَةِ الرُّهابِ،

 عَنِ الَّذي بَدَأَ البِدايَةَ والّذي ارتَكبَ الجِنايةْ!

وَجَميعُهُمْ يُذْكي فَتِيْلَ تَأَمُّلٍ وتَعَلُّلٍ..

وكَبِيرُهُمْ يُدْلِي دِلاءَ تَفَكُّرٍ، وَتَدَبُّرٍ،

 فَلَعَلَّها تَرْويهِ مِنْ بِئرِ الدِّراية ْ..

وَيُنَظِّرونَ، يُحَلِّلُونَ، يُنَاقِشُونَ، يُجَادِلُوْنَ،

يُقَدِّمُوْنَ، يُؤَخِّرونَ، بِعِلْمِهِمْ وَبِظَنِّهِمْ،

وَيُوَصِّفُوْنَ بِما أَرادُوا بِالإِشَارَةِ، والرُّمُوزِ، وَبِالكِنَايَة..

لكِنَّهُمْ – يا سَيِّدِي – الحِيْتانُ في بَحْرِ الغِوايَةِ.. والدِّعايَةْ..

فَإِذا الْتَمَسْتَ جَوابَهُمْ،

هَيْهَاتَ أَنْ تَجِدَ الّذي يُبْدِي الحقِيْقَةَ مُعْلِناً أَصْلَ الحِكَايَةْ!

بَعْدَ انْتِهاءِ الحَرْبِ أَو قَبْلَ النِّهايةِ، فَيْ مَيادينِ السِّياسَةْ..

يَتَوالَدُ المُتَطَفِّلونَ البَاحِثُونَ عَنِ الزَّعامَةِ والرِّياسَةْ..

يَتَفاخَرونَ بِكُلِّ ما فَعَلوا، وما لَمْ يَفْعَلوا..

وَبِأَنَّهُمْ خُبَراءُ أَو حُكَماءُ هذا العَصْرِ

 في ساحِ الدِّراسَةِ والفِراسَةْ..

وَبِأَنَّهُمْ قَدْ أَظْهَروا

مِنْ أَجْلِ تَحْقِيْقِ السَّلامِ وَنَشْرِ أَسْرابِ اليَمامِ

 جَمِيْعَ أَلْوانِ البَراعَةِ والشَّجاعَةِ والحَماسَةِ والشَّراسَةْ!

وَبِأَنَّهُمْ – حَاشَا وَكَلاّ –

لَمْ يَبِيْعوا النَّاسَ في سُوقِ النِّخاسَةْ!

وَسَيُشْهِدونَ اللهَ دَوْماً أَنَّهُمْ

لَمْ يَرْتَدوا إِلاّ ثِيَابَ الطُّهْرِ

مُذْ كَانَ الزَّمانُ فَإِنْ أَصَابَتْ كَفَّهُمْ وَجُيُوْبَهُمْ

عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ – صُدْفَةً - بَعْضُ النَّجاسَةِ والدَّناسَة..

يَكْفِيْ بِاَنَّ قُلُوْبَهُمْ رَمْزُ الطَّهارَةِ والقَداسَةِ!

* *

بَعْدَ انْتِهاءِ الحربِ، أَو قَبْلَ النّهايةِ سوفَ يَنطلقُ السِّباقْ!

وَيَجِيءُ مَنْ لَبِسوا عَباءاتِ الأُخُوَّةِ كُلُّهمْ، أَو جُلُّهمْ،

وَيَقومُ مَنْ رَفعوا شِعاراتِ الرِّفاقْ..

سَيُقابِلونَكَ مِثْلَما لَمْ تَحْتَسِبْ..

وَيُصافِحُونَكَ بِالمَوَدَّةِ والمَحَبَّةِ وَالعِناقْ!

سَتَجِيْءُ كِلْتا الفِرْقَتَيْنِ بِهِمَّةٍ، فِي المَوْقِفَيْنِ كِلَيْهِما:

إِنْ حَلَّ نَصْرٌ أَوْ إِذا وَقَعَتْ هَزيمةْ..

وَتَروحُ ثالثةٌ بَعِيْداً .. لا تُطِيقُ القُربَ في هذا السِّياقْ!

وَلَسوفَ يُرغي ثُمَّ يُزْبِدُ بَعْضُهم

وَتَظُنُّهُ يُلْقي عَلَيْكَ قَصِيْدَةً غَزَلِيَّةً

 أَوْ بَعْضَ أَبْياتِ المَديحْ..

إِنْ كَانَ بِالتَّلْميحِ أَو في جُرأَةِ القَوْلِ الصَّريحْ..

وَلَسَوْفَ يَعْبِسُ بَعضُهم مَتَبَسِّماً،

 ولَسوفَ يَفْرَحُ غَيرُهم مُتجهِّماً..

وَلَسَوفَ يُنْشِدُ آخَرونَ تَجَمُّلاً بِعِواءِ ذِئْبٍ جائِعٍ

يَجري بِأَطْرافِ المَدينةِ دونَ أَنْ يَلِجَ الزّقاقَ تَخَوّفاً

 إنْ ذابَ وَجْهُ البَدْرِ في بَحْرِ المَحاقْ!

وَلَسوفَ تَسْمَعُهم جَمِيْعاً..

إنّما سَتَشُقُّ ثُمَّ تَشُقُّ مَعْرِفَةُ الذي

فِيْ صَدْرِهِ قَلْبُ الغَزالَةِ والذي فِيْ قَلْبِهِ سُمُّ النِّفاقْ!

* *

بَعد انتهاءِ الحَربِ يا لُغَتي الرَّشيدةْ..

وَجَلاءِ هَبَّاتِ الغُبارِ وَصَمْتِ أَفواهِ المَدافِعِ والبَنادِقْ..

سَيَحِيْنُ لِلشُّعَراءِ أَنْ يَضَعوا مَعَ الأَهوالِ خَاتِمَةَ القَصِيدَةْ!

وَسَيَكْتُبونَ بِدَمْعِهِمْ وَدِمائهم وَيُصَنِّعونَ مِدادَهُمْ

 بِسناجِ أَدْخِنَةِ الحرائقِ والمشاعِلْ..

وَيُوَجِّهونَ مَدِيْحَهُمْ وَهِجاءَهُمْ

 لِجَمِيْعِ أَشرافِ البِلادِ وكُلِّ فُجّارِ القَبائلْ!

وَيُزَخْرِفونَ القَوْلَ حُسْناً

بِالبَديْعِ وَبِالجِناسِ وبِالطِّباقِ وَبِالتَّراكِيْبِ الجَديدةْ..

وَيُموِّهونَ كَلامَهُمْ وَسِهامَهُمْ

بالإسْتِعاراتِ الجَمِيْلَةِ والمَجازِ

وَيَلْهَجونَ بِكُلِّ ألوانِ الحَقِيْقَةِ والخَيالْ!

وَبِكُلِّ ما قَدْ أَبْدَعوا مِنْ أَوْجُهِ النَّظْمِ الفَريدَةْ..

لكِنَّهُمْ لَنْ يُحْسِنوا التَّعْبِيْرَ

عَمَّا كَانَ مِنْ تَحْتِ الرّكامِ يَدورُ في نَفْسِ الوَئيدَةْ!

* *

بَعْدَ انْتِهاءِ الحرْبِ - أَو قَبْلَ النِّهايةِ

إِنْ تَوَقَّفَ سَاعَةً سَفْكُ الدِّماءْ -

يَجدُ المُحارِبُ نَفْسَهُ مُتَحَسِّساً أَطْرافَهُ

إِنْ كَانَتِ العَيْنُ البَصِيْرَةُ لَمْ تَزَلْ بِمَكانِها،

 أَوْ كَانَتِ اليَدُ لَمْ تُبارِحْ كِتْفَهُ..

أَمْ أَنَّهُ يَحْتاجُ في غَدِهِ - بَقِيَّةَ عُمْرهِ –

لِجِهازَ قَوْقَعَةٍ يُدَسُّ بَأُذْنِهِ،

وَلَرُبَّما ما عَادَ بَعْدُ بِحاجَةٍ لِلبَحْثِ يَوْماً عَنْ حِذاءْ!

وَلَسَوْفَ يَسْأَلُ بَعْدَ إِمْعانِ التَّأَمُّلِ فِي بَقايا صُوْرَةٍ

كَانَتْ بِجَيْبِ قَمِيْصِهِ تَغْفو عَلى نَبَضاتِ قَلْبٍ مُرْهَفٍ

إِنْ كَانَ فِيْ مِيْزانِ خَاتِمَةِ المَعارِكِ

 ما يُجَفِّفُ دَمْعَةً مِنْ عَيْنِ أُمٍّ لَمْ تَنَمْ..

أَوْ أَنَّ في مِيْزانِها مِنْ كَرْمَةِ الحُلُمِ الجَمِيْلِ حَلاوةً

فَإِذا تَذَوَّقَ حَبَّةً مَعْسولةً مِنْ قِطْفِها

 نَسِيَ الّذي عَاناهُ مِنْ آلامِهِ

وَرأى بِها بَعْضَ العَزاءْ!

* *

بَعْدَ انْتِهاء الحربِ، أَو قَبْلَ النِّهايَة ْ..

سَيَسِيْرُ كُلُّ الغائبينَ بِشَوْقِهِمْ نَحو الرُّجوعْ..

وَهُناكَ - إِنْ بَلَغوا الدِّيارَ - أَمامَهم:

وَجْهٌ تَفَتَّحَ وَرْدُهُ مِنْ بَهْجَةٍ..

شَفَةٌ يَجِفُّ رُضابُها مِنْ خَيْبَةٍ..

قَلْبٌ يَفِيْضُ مَحَبَّةً بَيْنَ الضُّلوعْ..

نَفْسٌ تَقادَمَ لَيْلُها وَظَلامُها مُنْذُ احتِجابِ نُجومِها

حَتّى تَبَدّى ضَوْءُ نَجْمٍ طارئٍ بِسَمائها

فَأَتى وَلَوْ مُتَأَخِّراً عَنْ وَقْتِهِ

لِيُضيءَ في أَعماقِها آلافَ آلافَ الشُّموعْ..

وَلَعَلَّ أَعْظَمَ مَنْ يَكونُ هُناكَ في اسْتِقْبالِهم بَيْنَ الجُموعْ..

هِيَ مُهْجَةٌ مُلْتاعَةٌ .. لا .. لَنْ يَعُوْدَ فَقِيْدُها، وَشَهِيْدُها..

لكِنَّها لَمْ تَحْتَجِبْ أَو تَكْتَئِبْ

وَتَهَلَّلَتْ فَرَحاً لِعَوْدَةِ ثُلَّةٍ مِنْ صَحْبِهِ وَرِفاقِهِ،

وَلِأَجْلِهِمْ قَدْ أَطلقَتْ مِنْ قَلْبِها زُغرودةً

 وَالعَيْنُ تَمْلَؤُها الدُّموعْ!

* *

بَعْدَ انْتِهاءِ الحَربِ، أَو قَبْلَ النِّهايةْ..

يَتَنَسَّمُ المُتَحارِبونَ المُتْعَبونَ المُثْقَلُونَ بِلَهْفَةٍ

 رِيْحَ السَّلامِ وَلَوْ بِأَطْيافِ المَنامْ..

يَتَقَدَّمُ المُسْتَضْعَفونَ إِلى الحُطامْ..

يَجِدُ المُشَرَّدُ فُسْحَةً مِنْ عُمْرِهِ

لِيَعودَ نَحْوَ مَكانِ بَيْتٍ – كَانَ بَيْتاً ذاتَ يَوم ٍ–

 بَاحِثاً عَنْ جُثَّةٍ

كانَتْ أَباً أَوْ زَوجةً ولَرُبّما عَنْ أُسْرَةٍ بَيْنَ الرّكام..

وَيَكُوْنُ فِيْ إِمْكانِ كُلِّ مُعَذَّبٍ بِجِراحِهِ وسَقامِهِ

أَنْ يَمْشِيَ الدَّرْبَ الذي لا ينتهي

 في البحثِ عَن "كَبْسُولَةٍ" أَوْ حَبَّةٍ مِنْ "إسبِرينْ"..

ولَرُبَّما قَلَّ التَّدافُعُ بَيْنَ أَطفالٍ جِياعٍ

 يَنْزِفُونَ كَرامةً

فِيْ رِحْلَةِ البَحْثِ الطّويلَةِ في التَّكايا

 عَنْ قَلِيْلٍ مِنْ طَعامْ!

بَعْدَ انْتِهاءِ الحَرْبِ أَو قَبْلَ النِّهايَةِ

سَوْفَ تَشْتَعِلُ الحَرائِقُ فِيْ هَشِيْمِ الذّكْرَياتْ..

وَلَسَوْفَ يَبْحَثُ كُلُّ مَحْظُوظٍ إِذا نالَ السَّلامَةَ صُدْفَةً

عَنْ خِرْقَةٍ أَوْ صُوْرَةٍ لِلرّاحلِينْ..

وَهُناكَ طِفْلٌ مَا بِعُمْرِ الأقْحُوانِ تَراهُ عَنْ كَثَبٍ تَوَقَّدَ لَهفَةً

لِلْبَحْثِ عَنْ كُرَّاسَةٍ في صَفْحَةٍ مِنْها ثَناءُ مُعَلِّمٍ

كَانَتْ بِجَيْبِ حَقِيْبَةٍ

فِيْ جَيْبِها أَيْضاً كِتَابُ دِراسَةٍ فِيْ مَتْنِهِ

قَصَصٌ عَنِ الأَجْدادِ قَدْ رُوِيَتْ وَثَمَّ قَصِيْدَةٌ

يَحْكِيْ بِها المَحْزُوْنُ عَنْ أُخْتِ الحَمامْ..

* *

بَعْدَ انْتِهاءِ الحَرْبِ ،

 أَو قَبْلَ النِّهايةِ ٌقَدْ توافي الأُمَّ أَفْضَلُ فُرْصَةٍ

لِتَعُدَّ مَنْ لَمْ يَنْجُ أَوْ لَمْ يَقْضِ مِنْ أَبْنائها

 دونَ ارْتِيابٍ أَو شُكُوكٍ في الحِسابْ..

هَذا الكَبِيْرُ مُطارِدٌ.. وَمُطارَدٌ..

هذا شَريْدٌ خائفٌ.. هَذا جَرِيحٌ نازِفٌ..

هّذا بَعِيْدٌ مُبْعَدٌ.. هَذا مَريضٌ مُقْعَدٌ..

هَذا شَهِيْدٌ راحِلٌ،

 وَأَخُوهُ مُذْ بَدَأَ القِتالُ يُعَدُّ مَجْهولَ المَكانِ

 يَتِيْهُ في بَطْنِ الغِيابْ..

بَعْدَ انْتِهاءِ الحَرْبِ أو قَبْلَ النِّهايَةِ

حِيْنَما عَمَّ الخَرابْ..

سَيَعودُ شَيْخٌ طَاعِنٌ فِي السِّنِّ

 حَتّى يَسْتَريحَ بِخَيْمَةٍ أُخرى مَكانَ بِنايَةٍ

لَمْ يَبْقَ مِنْها غَيْرَ أَكْوام الحِجارةِ بينَها

بَعْضُ الذي لَمْ تَنْتَبِهْ لِوُجودِهِ

نيرانُ سَيِّدَةِ القنابل مِنْ حُطاماتِ الأثاثِ

 ومِنْ قُصاصاتِ الثِّيابْ..

وَلَرُبَّما يَحْظى بِشُربِ الشَّايِ وَهْوَ مُعَطَّرٌ

بِغُصَينِ نَعْناعٍ نَجا مِنْ وَطْأَةِ الجَنْزيْرِ فَي أُعْجُوبَةٍ

وَسَطَ الحَدِيْقَةِ قَبْلَ أَنْ يُروى بدَمْعٍ

 أَمْطَرَتهُ تَحَسُّراً عَيْنُ السَّحابْ..

بَعْدَ انْتِهاءِ الحَرْبِ أَو قَبْلَ النِّهايَةِ سَوْفَ يَنْفُثُ بَائسٌ

لَيلاً دُخانَ لُفافَةٍ والكَوْنُ فِيْ آفاقِهِ

بَحْرٌ مِنَ الظُّلُماتِ صَارَ وَلَيْسَ يَدريْ مُوقِناً

إِنْ كَانَ مَا يَلْقاهُ مِنْ أَمَلٍ يُداعِبُ نَفْسَهُ

سَيَقُوْدُه – حقّاً - إِذا طَلَعَ النَّهارُ لِواحَةٍ غَنَّاءَ في صَحرائهِ

أَو أَنَّهُ بَعْضُ السَّرابِ

وَلَيْسَ يَبْقى حَوْلَهُ إلاّ المَدافِعُ والحِرابْ!

إلاّ المَدافِعُ والحِرابْ!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services