151
3
بعد عامين من الإبادة الجماعية في غزة، هل تسمعوننا..؟
وقفة مع حصاد الغرور الإسرائيلي الامريكاني في غزة !!

محمد مصطفى حابس: جنيف / سويسرا
بعد إعلان وقف اطلاق النار هذا الأسبوع في غزة، تعجز الكلمات عن وصف الوضع الراهن في غزة ومن حولها. خاصة بعد عامين من التيه السياسي الغربي المقصود و الانبطاح العربي المأمور.
عامان وأكثر قليلا، حصدت الحرب - حسب وسائل الاعلام الغربية ( ألان غريش15 أكتوبر 2025، مجلة أوريان 21) - ما يزيد عن 67,000 قتيل، بينهم أكثر من 20,000 طفل، منذ بدء الحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة. وثلاثة أضعاف هذا العدد من الجرحى. في المجمل، وباعتراف المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم، 10% من سكان غزة. إن حجم الدمار لا يوصف في هذا القطاع الفلسطيني المحاصر، الذي يحتل الجيش الإسرائيلي 80% منه.
إبادات متنوعة الأشكال ومتعددة الأوجاع لأهلنا في غزة
إن حصر عمليات الإبادة لا يكفي لوصف الوضع الحالي، بل هي إبادات متنوعة الاشكال ومتعددة الاوجاع: إبادة جماعية للشعب الفلسطيني، الذي وُصف أبناؤه وأهله بـ"الحيوانات البشرية"؛ إبادة بيئية من خلال إلقاء أكثر من 100,000 طن من القنابل واستخدام الفوسفور الأبيض، وهو سلاح محظور بموجب القانون الدولي؛ إبادة جماعية، كما يتضح من استهداف أكثر من 90% من المنازل و لم تسلم حتى خيام النازحين في العراء والاستخدام الواسع النطاق عليها؛ و لا ننسى إبادة المعرفة ومصادرها، من خلال تدمير جامعات المنطقة الاثنتي عشرة واستهداف مدارس الأونروا التي كانت ملاذًا للسكان؛ إبادة جماعية حقيقية، لأن التفجير الممنهج للمقابر يُعيد الموتى إلى الحياة!!
كما قُتل أكثر من 270 صحفيًا في غزة، العديد منهم عمدًا، ولا يزال الصحفيون الأجانب ممنوعين من دخول المنطقة، إلا من خلال جولات إرشادية استثنائية ينظمها الجيش الإسرائيلي.
معاناة آنية ويومية لا تُوصف، على حد تعبير أحد الخبراء، بقوله "..إنها معاناة التقاط أشلاء الأطفال الذين كتب آباؤهم أسماءهم على أطرافهم ليجدوها؛ معاناة النجاة من القتل المتزامن لعشرات الأحباء؛ معاناة الجوع والفقر؛ معاناة النزوح المستمر والعشوائي؛ معاناة حرمان المرء من حاضره وماضيه وذاكرته ومستقبله؛ معاناة العيش في مأزق في مواجهة مجموعة لا تُحصى من التقنيات الفتاكة بشكل متزايد - الاستهداف الجماعي بالذكاء الاصطناعي، والطائرات الرباعية المروحية القاتلة، والروبوتات المتفجرة، ناهيك عن القصف الجوي والمدفعية والقناصة. إبادة جماعية مربحة للعديد من شركات الأسلحة التي تعتبر فلسطين، كغيرها من "مسارح العمليات"، مختبرات تكنولوجية" !!.
تواطؤ الغرب دعم غير مشروط له جذوره في التقاليد الاستعمارية والإبادة الجماعية والعنصرية:
وعن الوضع في غزة و القوى الغربية، كتب آخر ما ترجمته " إن تواطؤ غالبية الدول الغربية - وعلى رأسها الولايات المتحدة - من خلال دعمها غير المشروط، له جذوره في التقاليد الاستعمارية والإبادة الجماعية والعنصرية، التي تُقر بها علنًا العديد من وسائل الإعلام الرئيسية في فرنسا، المملوكة في الغالب لمليارديرات".. "ورغم اعتراضات بعض القادة، فإن التنفيذ المباشر لهذه الوحشية لم يُسفر إلا عن عقوبات قليلة فعّالة ضد دولة الإبادة الجماعية، " الكيان الصهيوني".." إن صمت الدول العربية أو تواطؤها، عندما لا تستغل "القضية الفلسطينية" لأغراض سياسية داخلية، لا يُقابله إلا السعي للتطبيع مع إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، متسائلا: " من سيكون التالي، السعودية أم سوريا أم ..؟
كل هذا مع تجاهل الانتهاكات المتكررة من قبل إسرائيل وشركائها للقانون الدولي والمبادئ الإنسانية الأساسية. رغم رأي محكمة العدل الدولية، التي أقرّت بـ"خطر الإبادة الجماعية" مطلع عام 2024، وأوامر التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، وزير الدفاع آنذاك، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، إلا أن الوضع ازداد سوءًا". لمل لا، فإلى جانب المدنيين المستهدفين، دُمّر أو تضرر أكثر من 94٪ من المستشفيات. وقُتل العديد من العاملين في المجال الإنساني، بمن فيهم عمال إغاثة نشطون. كما لم تُحترم الأعراف الدولية قط، كما يتضح من الانتهاك الأحادي الجانب لوقف إطلاق النار المُبرم في يناير 2025 واستهداف المفاوضين الفلسطينيين. هذه الملاحظة تُذهِل المرء!!، على حد تعبير، المفكر الفرنسي المتوازن آلان قراش، من أصول يهودية.
التعبئة الدولية في مواجهة هذا الاستهتار المستمر بالقيم و الثوابت
في الوقت الذي اختُتمت فيه المرحلة الأولى من وقف إطلاق نار جديد - مما جلب بعض الراحة لسكان غزة بعد نهجٍ مُتساهل تمامًا - يتأرجح مصير غزة الآن بين البقاء على قيد الحياة وتنفيذ "خطة ترامب". وتبقى الحقيقة أن حق تقرير المصير الفلسطيني يبدو أنه لم يكن يومًا بعيدًا إلى هذا الحد. فهم ما زالوا محرومين من حقهم في التعبير عن آرائهم!!
وحدها التعبئة الدولية في مواجهة هذا الاشمئزاز المستمر، وهذا النفاق الانتقائي للقيم الإنسانية، وتنازلات الطبقات الحاكمة الفاشية التقنية، قادرة على استعادة قليل من الإنسانية للبشرية. لقد باء تجريم هذا التضامن واتهامات معاداة السامية بالفشل: من المظاهرات إلى المقاطعة، ومن الاعتصامات إلى التخريب، بما في ذلك المسيرات الدولية والقوافل والأساطيل، ينتفض الناس من أجل الصمود، صمود المقاومة الفلسطينية، ومن خلاله. رد فعل ليس إنسانيًا فحسب، بل سياسيًا قبل كل شيء، ضد أحدث تجسيد للاستعمار وتوسعه اللامتناهي.. !!
ندوات و تظاهرات مستمرة لنصرة غزة و أهل غزة..
وفور إعلان وقف إطلاق النار بيوم، دعي كاتب هذه السطور، وشخصيات إسلامية وغربية و جمعيات خيرية ومنظمات إنسانية، لتظاهرة عبر تقنية زووم لحشد الدعم لأهل غزة، ونجدتهم، ومما جاء في تدخلات بعضهم، في بداية التظاهرة، حيث قل أحدهم من بريطانيا، من باب "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، ما ملخصه: " إن صوت الحق يعلو من ديار غير ديارنا، بعيدة عنا. متسائلا: أين حكام الأمة؟ قد يهيئ الله في بعض الأزمنة من يقوم بدور "أبي طالب". يذود عن المظلومين ولو لم يكن على دين الإسلام. وقد لاحظنا مسؤولا ساميا غربيا، مثل رئيس كولومبيا غوستافو بيترو يزأر في المحافل الدولية. مدافعا عن أطفال غزة ونسائها وشيوخها بلا مواربة ولا وجل ملقيا باللائمة على رئيس أمريكا ومسميا الصهاينة بجرائمهم في العنصرية والدموية، بل داعيا إلى "تكوين جيش عالمي ينصر به المستضعفين في فلسطين" و في أي مكان آخر، تتوفر فيه ذات الشروط ، بغض النظر عن دينه وملته!!.
مبادرة غير مسبوقة في أيامنا، لدعم إعادة إعمار قطاع غزة، تقضي بإرسال ذهب مصادر من تجار المخدرات لتمويل الرعاية الطبية للأطفال الفلسطينيين المصابين في هذه الحرب مجنونة!!
ورغم عدالة القضية وبداهة الحق فيها. بحيث يشهد لها كل قلب سليم، ويقضي بها كل عقل راجح، ويؤكدها كل فقه شرعي را شد، نجد علماء السوء يقلبون الموازين ويعادون المقاومة ويقوون جانب الصهاينة حتى كأن رئيس كولومبيا قد سبقهم إلى تحقيق مناطق النصرة والعدل الذي ضلوا عنه و تاهوا في غيابات الذل و التبعية. إنها مفارقة مخزية، رئيس غير مسلم يرفع الصوت نصرة للمظلومين بينما يتقاعس كثير من الحكام المسلمين و العرب ويتواطأ بعض المنتسبين للعلم فكانت كلماته صفعة على وجوه الجبناء من حكام وقادة أمة طال بالغدر ليلها.
أضعف الإيمان استعمال سلاح المقاطعة
و أبدع أحد المتدخلين، بالتنبيه لأمر ذي بال، موضوع المقاطعة، ضرورة استعمال سلاح المقاطعة، و سرد علينا قائمة بأسماء المواد التي نستهلكها والشركات التي تسوقها، و هو ما يجب على أي مستهلك واع، مقاطعتها فورا و دائما، و أرسل تطبيق الكتروني، قصد إعادة نشرها و توزيعها على أوسع نطاق خاصة في صفوف جاليتنا المسلمة في الغرب. لأن مقاطعة الشركات و الدول التي تدعم الكيان الصهيوني، سلاح حضاري غاية في الأهمية لقضيتنا العادلة.
المقاطعة جهاد اقتصادي وحضاري يترجم مقاصد الشريعة..
وقد أفرد أحد المتدخلين في الندوة، قضية المقاطعة في الشريعة الإسلامية، بقوله للمترددين من شبابنا يجب أخذ الأمر بجد، وقرأ الفتوى التالية، بعد سرد أمثلة عن ذلك، قوله:
"إن المقاطعة ليست بدعة زمانية ولا ردة فعل طارئة. بل هي حكم فقهي مؤصل. ينبع من مقاصد الشريعة في دفع الضرر وحفظ الأنفس والأموال. وقد توالى فقهاء المالكية على تحريم تزويد أصلاب العدو بما يعزز قوته على المسلمين. مذكرا بقول الإمام المازري في شرح التلقين:" منع في المدونة من أن يباع م أهل الحرب ما تكون لهم به قوة على المسلمين. كالسلاح والخيل والبغال والحمير والإخراج و الغرائر والحرير والنحاس. وفي كتاب ابن حبيب: والصوف والكتان والزفت والقطران والجلود. وهذا يوضح وجه منعه على الجملة لأن الله تعالى يقول: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ فإذا أمددناهم بما يكون لهم قوة علينا، صار هذا نقيض ما أمر الله سبحانه به. وصار معونة على دماء المسلمين. فقد قال سحنون فيمن باع منهم السلاح فقد شارك في دماء المسلمين. وقال الحسن: " من باع منهم الطعام فهو فاسق، ومن باع منهم السلاح فليس بمؤمن".
مبينا أن الموقف هنا فقهي استراتيجي معاً، يربط بين النص الشرعي ومصلحة الأمة في مواجهة الاعتداء، ويجعل المقاطعة ليست مجرد موقف سياسي، بل حكم شرعي مؤصل يقوم على منع كل ما يقوي العدو على سفك دماء المسلمين.
وفي واقعنا المعاصر مع الصهاينة تتجه المقاطعة إلى صيغ عملية: جهاد اقتصادي وحضاري يترجم مقاصد الشريعة في حفظ النفس وحماية المال ودفع العدوان. فهي ليست خيارا عاطفيا، بال واجب شرعي وأداة استراتيجية. في معركة الوجود و الكرامة.
رسالة أمل و عمل من أدغال غزة إلى أحرار العالم..
وفي الختام، قرأت سيدة، من منظمة إنسانية خيرية، نداء بالفرنسية هذه ترجمة لأهم ما جاء فيه، تحت عنوان: "رسالة أمل وعمل من أدغال غزة إلى أحرار العالم"، تحث فيه الناس للاستمارة في نصرة أهل غزة، بقولها:
" أهلنا الأعزاء في أوروبا وسويسرا تحديدا، هذا نداء أهلنا من غزّة الحبيبة، تحية وسلاما، وبعد:
نستبشر خيرًا بوقف إطلاق النار في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ فلسطين، وهو فرصة ثمينة لنا جميعاً لنبني معهم من جديد، لنعيد الأمل والسكينة إلى القلوب، من أجل غدٍ أفضل يليق بصمود أهل غزة وتضحياتهم"..
" نحن في مؤسسة فراسة [السويسرية، الخيرية الإنسانية] نناشدكم بالتعاون الأخوي الإنساني العاجل معنا، فهذه القيم هي أساس إعادة البناء والإعمار. لقد عانى شعبنا الكريم في غزة على مدار عامين من آلام الحرب التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء، نساءً ورجالاً وأطفالاً"...
" نناشدكم باستمرار دعمكم ومساعدتكم. لقد كنتم خير سند لنا في العديد من المحن والكوارث، وها نحن اليوم نواجه تحديًا كبيرًا في إعادة إعمار غزة"...
" أطفالنا في مدارس "فراسة للتربية والتعليم" في غزة، يحتاجون إلى الدعم والرعاية، ويستحقون فرصة للعودة للدراسة النظامية، وكذا كفالة المئات من الأيتام الجدد الذين تصلنا يوميا ملفاتهم"...
"نحن نؤمن بأن القادم أفضل بحول الله، وبأن إرادة الحياة والتعاون ستجعل من غزة نموذجاً للسلام والصبر والأخوة والقوة"...
" ندعوكم للمشاركة معنا في حملة دعم ومساندة في توفير الاحتياجات الأساسية للأطفال والعائلات. كل تبرع سيكون له تأثير كبير في حياة الكثيرين من المحتاجين.
شكر الله لكم دعمكم المستمر لنا و لأهل غزة، سائلين الله أن يجزيكم خيرًا كثيرا".
ضاربة لهم موعدا قريبا في تظاهرات الأسبوع المقبل، حسب الجهات والمدن، بحول الله.

