83
0
إيمدغاسن بين الذاكرة والسينما... الأوراس يستعيد تاريخه بلغة الفن

لا يبدو أن إختيار إسم "إيمدغاسن" للمهرجان السينمائي الدولي في باتنة كان محض مصادفة، بل هو إعلان واضح عن رغبة جماعية في إستعادة الماضي العريق للأوراس وربطه بالحاضر الثقافي، فالمعلم الجنائزي النوميدي، الذي يعود بناؤه إلى القرن الثالث قبل الميلاد، لم يعد مجرد أثر حجري صامت، بل تحول اليوم إلى رمز لهوية متجذرة وأفق فني وإنساني يتجاوز حدود الجزائر.
ضياء الدين سعداوي
الملتقى الوطني حول "التراث الأثري في الأوراس" الذي انعقد بدار الثقافة محمد العيد آل خليفة، بحضور نخبة من الباحثين والأكاديميين، كان أكثر من مجرد جلسة علمية، إنه محاولة لإعادة طرح أسئلة كبرى: كيف يمكن إعادة إدماج الذاكرة التاريخية في الحاضر؟ وهل تكفي الحفريات والأبحاث الأثرية وحدها لحماية المعالم، أم أن تحويلها إلى رمز ثقافي عالمي هو الضمانة الحقيقية لبقائها؟
ذاكرة في حاجة إلى رواية جديدة
المداخلات التي شهدها الملتقى، خاصة من طرف الدكتور زهير بخوش رئيس اللجنة العلمية للملتقى و أستاذ علم الآثار بجامعة ڨالمة و كذى شفيق بوغرارة مدير متحف و مواقع تيمڨاد و إيمدغاسن و ديانا و طبنة، كشفت عن إتجاه جديد في التعامل مع المواقع الأثرية، يقوم على تجاوز النظرة الكلاسيكية للترميم والجرد إلى مقاربات أشمل تربط الآثار بالإنسان والهوية، فالضريح الملكي بما يحمله من حمولة رمزية لم يعد مجرد "موقع أثري" بل جزءاً من سردية كبرى حول نشأة الإستيطان البشري في شمال إفريقيا، وعلاقة الإنسان الأمازيغي المبكر بوسطه الطبيعي والإجتماعي.
حين تصبح السينما جسراً للذاكرة
اللافت أن الملتقى انعقد على هامش مهرجان سينمائي، وهو ما يطرح مفارقة بالغة الدلالة، الفن السابع أداة التعبير المعاصرة بإمتياز يوظف اليوم كجسر لإستعادة الذاكرة القديمة، وهذا يفسر لماذا أصر القائمون على المهرجان منذ دورته الأولى على تسمية الحدث بإسم "إيمدغاسن"، في محاولة لتحويل المعلم من رمز أثري محلي إلى أيقونة ثقافية عالمية.
إعتراف دولي بلحظة فارقة
في هذا السياق تأتي خطوة اليونسكو المرتقبة بإدراج ضريح إيمدغاسن في قائمة التراث المادي العالمي و التي سيعلن عنها غدا الثلاثاء 16 سبتمبر من طرف وزارة الثقافة خلال حفل إختتام المهرجان السينمائي، كإعتراف دولي طال إنتظاره. فالقرار لا يضيف فقط قيمة قانونية للموقع بل يمنحه حماية سياسية ورمزية تتيح له الدخول في شبكة الذاكرة العالمية إلى جانب أهرامات مصر ومعابد المايا وأسوار الصين ، إنه إعلان بأن حضارة النوميد لم تعد "هامشاً" في تاريخ البحر الأبيض المتوسط بل جزءاً أصيلاً منه.
من الأوراس إلى العالم
ما يميز الدورة الحالية من المهرجان أنها تضع الأوراس في قلب خريطة الثقافة الدولية، فهي ليست مجرد فعالية محلية، بل منصة لطرح أسئلة عابرة للحدود حول علاقة الشعوب بذاكرتها، وكيف يمكن للثقافة والفن أن يتحولا إلى أدوات لإعادة تعريف الهوية في عالم متغير.
يبدو أن الأوراس اليوم لا يستعيد ماضيه فقط بل يعيد صياغته من جديد بلغة الحاضر، لغة السينما، لغة العالم.