150

0

أمام تنامي الفارق بين السعر الرسمي والسوق الموازية

هذه وصفة الخبير عبد الرحمان مبتول لحماية القدرة الشرائية لدينار الجزائري

 

سعيد بن عياد 

يشكل الفارق المتنامي بين السعر الرسمي للعملة الوطنية الدينار والسعر في السوق الموازية تحديا يستوجب البحث عن حلول اقتصادية متوازنة وفعالة توفر للدينار الجزائري ، للحفاظ على قدرته الشرائية في وقت تسعى فيه الجزائر لانجاز وثبة اقتصادية حقيقية ترتكز على توسيع نطاق الاستثمار المنتج وتحريك قطاعات خارج المحروقات ، يمكنها أن تعزز وتيرة النمو من خلال تحسين مؤشرات الإنتاج والتوجه إلى التصدير بكل ما يرافق ذلك من توفير لفرص عمل وكبح البطالة.

وعن أسباب ضعف سعر الدينار الرسمي والحلول التي يمكن اعتمادها لرفع هذا التحدي، يوضح الخبير الدولي عبد الرحمان مبتول أن في الفترة من 28 إلى 30 أفريل2025 تم استبدال 1 أورو بـ 258 دينار في السوق الموازية و150 دينار في البنك أي بفارق أكثر من 74%مقابل 28% قبل عشرات السنوات، مما يؤثر على عملية التضخم للمنتجات المستوردة، محدّدا أسباب ضعف السعر الرسمي للدينار في معدل النمو الاقتصادي بمعنى مستوى الإنتاج والإنتاجية، فخلال ثلاثين سنة الماضية كلفت عملية التطهير المالي للمؤسسات العمومية الخزينة العمومية أكثر من 250 مليار دولار دون تحقيق الأهداف الكبرى.
غير أنه يشير أن للجزائر قدرات لتتحول إلى فاعل حاسم على الصعيد الجهوي فمن الناحية الاقتصادية تتوفر على هامش للمناورة مع احتياطي الصرف بالعملة الصعبة يتجاوز 70 مليار دولار  ومديونيةخارجية بأقل من 1,5 % من الناتج الداخلي الخام ومديونية عمومية داخلية متحكم فيها بحوالي 45 إلى 47 % من إجمالي الناتج الداخلي الخام. 
هذا الأخير تمت مراجعة قاعدة حسابه في 2023 إلى 27 مليار دولار بإدماج حوالي 33 % من المجال غير الرسمي علما أن معدل النمو يقدر بـ 4,5 % سنويا والبطالة في 2024 سجلت 9,7 % والتضخم 5,3 %.
كثرة الضرائب وارتفاعها تقتل الضريبة ذاتها
وللحماية من التضخم وتدهور القدرة الشرائية، يضيف الخبير مبتول، يلاحظ أن الجزائريين يتجهون لاستثمار أموال الرأسمال في العقار وشراء العملات الصعبة والأملاك المستدامة عالية الطلب، ذلك أن توقع انخفاض تدريجي لقيمة الدينار يترتب عنه أثر سلبي في كل الفضاءات الاقتصادية والاجتماعية، كما أن إشاعاتتبديل العملة إلى جانب التوترات الجيواستار التي تحيط ببلادنا ومع بعض الدول منها فرنسا زادت من الفارق بين سعر الصرف الرسمي والموازي مع رصد ارتفاع الطلب على العملات القوية.
ويستطرد الخبير في تشخيصه للمشهد أن ضعف التشغيل الرسمي يشرح ثقل التشغيل في الفضاء الموازي ما يؤثر على النمو، فكلما كانت الرسوم مرتفعة تدفع بالمؤسسات إلى إخفاء جزء من عائداتها، ذلك أن كثرة الضرائب وارتفاعها تقتل الضريبة ذاتها، ولذلك فان المجال الموازي يتضخم من خلال التهرب الضريبي والفساد عبر تضخيم الفواتير وتهريب المواد المدعمة مما ينعكس على أسعار المواد ويرفع من التضخم، مذكرا بتصريح المديرة العامة للضرائب يوم 4 أفريل 2023 مفاده عدم تحصيل 6000 مليار دينار من الضرائب ما يعادل بسعر 137 دينار مقابل 1 دولار 43,79 مليار دولار. ويشير أيضا إلى  ثقل التنظيم وتعقيدات المحيط بحيث يبرز ظاهرة إنشاء مؤسسات بطريقة غير رسمية وانخراط مقاولين في القطاع الموازي.

وعليه فان جودة الخدمات العمومية التي توفرها الحكومة تعد عاملا حاسما للقطاع الموازي لكونها تؤثر على خيارات الأفراد،فالذين ينشطون في الفضاء الموازي لا يستفيدون من خدمات عمومية مثل الحماية من السرقات والجريمة والوصول إلى تمويلات وحماية حقوق الملكية.
إجراءات عملية تؤسس لحل عملي
ولتقليص تضخم القطاع الموازي قصد إدماجه في الاقتصاديات الوطنية يذكر مبتول عدة إجراءات يمكن المبادرة بها، من بينها تسليم عقود الملكية كما أن على الحكومة أن تضع في الحسبان أن القطاع الموازي هو بديل لنقص في فرص العمل وأن المنافسة غير النزيهة التي يقوم بها ضد القطاع الرسمي تعيق جديا التنمية الاقتصادية في البلاد، وعليه ينبغي القيام باللجوء إلىعقلنة وتنظيم شبكات التوزيع وتبسيط إجراءات التسجيل وكل الإجراءات الإدارية وكذا إعداد نظام ضريبي ملائمومرن وتخفيف المستوى المرتفع للرسوم الجمركية وتعقيدات هياكل التسعير وترقية الاستثمارات في النقل والسلاسل اللّوجيستية للتخفيف من ثقل المبادلات الموازية.
وبرأي الخبير مبتول ينبغي أيضا تحسين مستوى التعليم والعمل على تقليص الفوارق ذلك أن التربية والتعليم عموما هي المرحلة الأولى لضمان نجاح الانتقال الى الفضاء الرسمي فالروابط بين الأمية والتشغيل غير المصرح به لا تتطلب إثباتها، لذلك يجب التركيز أساسا على الأمية في الوسط النسوي، علما أن هناك حضور قوي للمرأة في القطاع الموازي سواء عن طريق العمل غير الرسمي أو في البيت، مشيرا أنه لمكافحة الفضاء الموازي قررت الحكومة حديثا إدخال العملة الرقمية، بحيث يضمن بنك الجزائر إصدار وتسيير ومراقبة الدينار الرقمي، لكن،يوضح، لا ينبغي الخلط بين العملة الرقمية والعملات المشفرة المتداولة على الشبكة العنكبوتية، انترنيت، خارج كل مؤسسة بنكية أو تنظيم، ويجب أن يتم تفعيل رافعة هامة باستعمال الذكاء الاصطناعي بهدف رقمنة المصالح الضريبية والجمارك والأملاك الوطنية والتجارة للحد من اتساع رقعة السوق الموازية  ومكافحتها، وفي هذا المجال يسجل وجود تقدم محتشم بينما مع تبسيط الاجراءات  الدفع الالكتروني يمكن للحكومة إضفاء الطابع الرسمي أكثر سهولة وأقل إعاقة للمؤسسات الصغيرة،كما يتطلب هذا الأمر تسريع فتح مكاتب الصرف التي لم تر النور إلى اليوم علما أنه تم اعتماد أكثر من أربعين مكتب صرف لم تر النور منذ 2023.
تغيير النقود تجربة فشلت في عديد الدول
وأخيرا يتوقف مبتول عند مسألة إمكانية اللجوء إلى حل جذري يتعلق بتغيير الأوراق البنكية لكبح النشاط الموازي التي تعود للسطح في النقاش الوطني خلال الأشهر الأخيرة، لكنها ليست مدرجة بوضوح في جدول السلطات العمومية، لافتا بهذا الخصوص أنه سبق للرئيس عبد المجيد تبون أن صرح في لقاء مع الصحافة بأن هذا الإجراء ليس خيارا مثاليا مشيرا أن تغيير الأوراق النقدية سيكون دون نتيجة ولن تترتب عنه سوى طوابير طويلة لمواطنين بسطاء أمام البنوك وليس لرجال أعمال يصطفون لتغيير مبالغ بالملايير، ولذلك فإن تغيير النقود في هذه الفترة لن يكون الحلّ المناسب لمكافحة الاقتصاد الموازي، علما أنها طريقة لم تحقق نجاحا في الهند ونيجيريا أو الأرجنتين، وإن كانت المسألة بحدّ ذاتها تثير انقساما في الرأي، غير أن مكافحة عقلانية للاقتصاد الموازي لا يمكن أن تتم إلا عن طريق اعتماد خيار شمول مالي حقيقي وعصرنة حقيقية للبنوك وتحفيزات ضريبية واللجوء إلى التحويلات الالكترونية.

وخلص مبتول إلى وجود حلّ يقترحه خبراء وهو طوباوي حاليا يتعلق باللجوء إلى ضبط سعر الدينار على وقع سعر السوق السوداء الأمر الذي يترتب عنه هروب مكثف للرساميل، وإذا كان هذا الحلّ يضيف الخبير ينشط صادرات المحروقات إلا أن تخفيض قيمة العملة بخمسة دنانير لم تؤد إلى تنشيط هذه الصادرات، كون أساس الاقتصاد الجزائري لا يزال يرتكز على مداخيل المحروقات ومن ثمة فإن الانسداد منهجي في الأساس.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services