789

0

فيلم "زيغود يوسف" يعيد احياء الشهداء من الذاكرة إلى السينما

حوار خاص مع أحسن تليلاني كاتب سيناريو الفيلم

تحرص الأمم التي تفخر بماضيها المجيد على صون ذاكرتها التاريخية، من خلال توثيق سير أبطالها، وتخليد نضالاتهم عبر المحاضرات، والكتب، والمعالم الأثرية. 

شروق طالب 

 

غير أن التعبير الفني، وتحديدا من خلال الفن السابع، يظل من أنجع الوسائل في إعادة إحياء هذا الماضي ونقله إلى الأجيال الجديدة بروح معاصرة.

في هذا السياق، يأتي فيلم زيغود يوسف ليجسد إحدى أهم الشخصيات في مسيرة الثورة التحريرية الجزائرية، قائد هجومات الشمال القسنطيني، الشهيد زيغود يوسف. 

الفيلم لا يكتفي بسرد الوقائع، بل يوظف الخيال السينمائي لنقل أبعاد إنسانية عميقة عن هذه الشخصية التاريخية، وما تمثله من رمزية نضالية.

حول تفاصيل هذا العمل، وملامح معالجة السيناريو، كان لنا حوار خاص مع كاتب سيناريو الفيلم، أحسن تليلاني، الذي تحدث عن رهانات تقديم البطل في قالب درامي، وأهمية توظيف الفن في خدمة الذاكرة الوطنية.

 

أحسن تليلاني...من قاعات الدرس إلى السينما

جمع الدكتور تليلاني في مساره المهني، بين العمل الأكاديمي، والبحث التاريخي، والإبداع الأدبي، يشغل حاليا استاذ جامعي بجامعة الجزائر 2، بكلية الآداب واللغات الشرقية، وقد سبق له أن تقلد مناصب قيادية، من بينها عميد كلية الآداب بجامعة سكيكدة، ومدير الثقافة لولاية عنابة.

في رصيده أكثر من 17 مؤلف بين النقد الأدبي، أدب الطفل، التاريخ، الترجمة، وكتابة السيناريو، ما جعله واحدا من الأصوات القليلة التي استطاعت أن تجيد التوثيق والفن في آن واحد.

إلى جانب ذلك، يشغل الدكتور تليلاني منصب رئيس مؤسسة الشهيد زيغود يوسف التاريخية، وهو ما عمق علاقته الشخصية والفكرية بهذه الشخصية الثورية التي كرس لها أهم أعماله السينمائية: سيناريو فيلم "زيغود يوسف"، الذي اعتبره أهم إنجاز في مسيرته.

زيغود يوسف: البطل الشعبي الذي سكن ذاكرة الكاتب منذ الطفولة

وفي هذا الشأن يعود بنا محدثتنا، الى المنطقة التي نشأ فيها وهي سيدي مزغيش حيث استشهد زيغود يوسف كذلك، ليروي لنا كيف تشكلت علاقته المبكرة بهذا القائد الثوري.

حيث قال انه منذ الصغر وأنا أسمع بطولاته، أزور الأماكن التي شهدت نضاله واستشهاده، وهو ما زاد من تأثره به حد الإيمان برسالته.

وعندما بدأ في كتابة السيناريو،  يضيف "شعرت أنه يخاطبني، يقودني لأروي قصته بصدق وأمانة".

ولم يكن اعتماد تليلاني على المراجع وحدها، بل استقى معلوماته من مصادر حية، على غرار رفاق زيغود، أرملته، ابنته، وكذا المجاهدين الذين عرفوه، بالإضافة إلى المذكرات الشخصية كـ"زيغود يوسف الذي عرفته"، ومذكرات الأخضر بن طوبال وغيرهم.

 

التحدي: كيف تكتب سيرة شهيد؟

وفي هذا السياق، نوه تليلاني ان مهمة كتابة سيرة بطل حقيقي ليست مهمة سهلة، تحتاج لأمانة فكرية وأخلاقية عالية، أنت لا تكتب خيالا، بل حياة إنسان نذر نفسه للوطن واستشهد من أجله.

لذا، حرص كاتب السيناريو على التوثيق الدقيق، ورفض التهويل أو التشويه، كون السينما حسبه ليست وثيقة جامدة، بل فن حي. 

وأهم تحدي هنا، يقول تليلاني "ان أوفق بين الحقائق التاريخية والجانب الدرامي، لان الحقيقة وحدها لا تكفي لصناعة فيلم مؤثر، لكن الفن بلا أمانة قد يسيء إلى رمزية البطل."

 

العلاقة مع المخرج ومراحل الإنتاج

وفي هذا الجانب، أشاد تليلاني بالمخرج مؤنس خمار، معتبرا أن هذا العمل كان نقطة تحول في مسيرته، حيث أبدع في تصوير السيناريو، بإخراج فني متقن، مدعوم بموسيقى تصويرية من توقيع الفنان صافي بوتلة.

وقال تليلاني "منحت المخرج الحرية الإبداعية، ووثقت في رؤيته، وتكاملنا معا لتقديم فيلم يشرف الذاكرة الوطنية، مع كل فريق العمل، الذي كان ملتزم بهذه الرسالة."

 

شخصية زيغود يوسف.. البساطة التي صنعت المجد

ومن خلال اطلاعه على سيرة حياة الشهيد، يذكر محدثنا صفات البطل زيغود يوسف، حيث قال يعد الشهيد زيغود يوسف من أبرز رموز الثورة الجزائرية، وأحد القادة الذين نحتوا أسماءهم في ذاكرة الوطن بدمائهم وتضحياتهم. 

ولد في بيئة فقيرة ونشأ يتيما، فصقلته الحياة مبكرا، وعلمته الصبر والمسؤولية، اشتغل حدادا ونجارا، وأتقن فنون الصناعة اليدوية، فجمع بين المهارة اليدوية والذكاء العملي، وكان يتقن اللغتين العربية والفرنسية، ما مكّنه من التواصل مع مختلف فئات الشعب ونقل الوعي الثوري في أوساطهم.

لم يكن كثير الكلام، بل آمن بالفعل الثوري، وكان دائم التنقل، قليل الراحة، مستعدا في كل لحظة للبذل والعطاء.

زيغود يوسف لم يكن قائدا عاديا، بل شكل نموذجا فريدا للقائد الشعبي المتواضع، الذي جمع بين الحزم والإنسانية، بين القيادة الميدانية والفكر النضالي. 

برز اسمه كأحد أبرز مهندسي هجومات 20 أوت 1955 التي كانت نقطة تحول مفصلية في مسار الثورة.

كان يؤمن بأن النصر يصنع في الميدان، وكان صارم في قراراته لكنه رحيم بجنوده، قريبا من الشعب، ملهما للمجاهدين. 

مقارنة بين الأعمال.. وزيغود أهم إنجاز

رغم رصيد الدكتور تليلاني في التأليف والذي يضم أكثر من 17 مؤلف في مجالات الأدب والنقد والترجمة وكتابة السيناريو، إلا أنه يعتبر هذا العمل أهم إنجاز في مسيرته.

حيث قال "لو لم أكتب سوى هذا السيناريو في حياتي، لكفاني شرف، هو أضخم عمل قمت به، وأتمنى أن أكتب لاحقا عن الشهيد ديدوش مراد، أصغر القادة وأحد أبرز رموز الثورة."

 

السينما لا تؤرخ فقط.. بل تحيي التاريخ

وبالحديث عن أهمية السينما، أوضح تليلاني أن السينما ليست مجرد إعادة سرد للأحداث التاريخية، بل هي فن إبداعي يبعث الحياة في تلك الوقائع، ويحولها إلى مشاهد نابضة بالمشاعر والإنسانية. 

منوها الى أن الفن السابع لا يقتصر على التوثيق فحسب، بل يعيد إنتاج الذاكرة بأسلوب فني يخاطب الوجدان قبل العقل.

ويضيف تليلاني، "في زمن مضى، كان الشاعر هو لسان القبيلة، واليوم السينما هي لسان الشعوب. والدولة التي لا تمتلك سينما قوية تعبر عنها، هي دولة تفقد جزء من التعبير الفني عن هويتها."

لهذا، يرى من الضروري أن نستثمر في هذا الفن وندعمه تشريعيا وماديا، وهو ما بدأت الجزائر في القيام به من خلال قانون السينما الجديد.

 

رسائل فيلم زيغود يوسف 

من خلال هذا الفيلم أراد تليلاني إبراز عظمة الشهداء وكشف الوجه الحقيقي للاستعمار الفرنسي، على غرار صفات الغدر، البطش، واللاإنسانية، مقابل بطولات ومبادئ جيش التحرير والشعب الجزائري.

والفيلم حسبه، لا يقتصر على السرد فقط لسيرة زيغود يوسف، بل هو تكريم للشمال القسنطيني الذي احتضن معارك فاصلة في تاريخ الثورة، لاسيما مظاهرات 8 ماي 1945، هجومات 20 أوت 1955، ومؤتمر الصومام.

كما اعتبر تليلاني ان فيلم زيغود يوسف ليس فقط عملا وطنيا، إنما عمل فني يحمل قيم إنسانية سامية كالشجاعة، التضحية، الإخلاص، التسامح، معاناة المرأة، حرمان الأطفال، والتعامل الأخلاقي مع الأسرى... كلها مشاهد إنسانية عابرة للحدود.

بكل هذه المعاني الإنسانية، يرى تليلاني أن قصة زيغود جديرة بأن تعرض في مهرجانات عالمية، وتشاهد من قبل جميع الاجناس، كونها تعبر عن روح الإنسان المقاوم في أي مكان.

 

السينما تصنع الخلود

قصة زيغود يوسف، كما جسدها الفيلم، ليست فقط قصة ثائر استشهد في سبيل وطنه، بل قصة جيل آمن بالحلم، وضحى من أجله. 

والسينما، كما يرى تليلاني، هي الوسيلة الأجمل لإحياء هذه البطولات، ونقلها للأجيال القادمة بلغة الفن والوجدان.

معتبرا ان فيلم زيغود يوسف ليس فقط توثيق لتاريخ، بل هو شهادة فنية على أن الجزائر  ولدت من رحم النار، وأن الحرية لم تكن صدفة، بل ثمرة دماء رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

العرض.. والانتظار

وفي هذا السياق، اوضح تليلاني ان حتى الآن، لم يعرض الفيلم على نطاق واسع، اكتفى بعروض شرفية في قسنطينة، الجزائر العاصمة، وسكيكدة. 

لكن الآمال معلقة على عرضه الجماهيري، بل والعالمي، لتحقيق الصدى المرجو، وتثبيت مكانته كأحد أبرز الأفلام الجزائرية ذات البعد الوطني والإنساني.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services