341
0
النووي الإيراني بين عجز القنابل و إغراء الإتفاقات...حين تقصف إسرائيل نيابة عن ترامب
.jpeg)
بقلم: ضياء الدين سعداوي
لم تكن الليلة الماضية عادية في سماء إيران.
ففي واحدة من أشرس الهجمات الجوية المعلنة منذ عقود، أغارت 40 طائرة حربية إسرائيلية على عشرات الأهداف الإيرانية، في طهران ومناطق أخرى ـ بحسب بيان صادر عن جيش الكيان الصهيوني -، مستخدمة أكثر من 100 ذخيرة موجهة، تحت إشراف استخباراتي دقيق من هيئة الإستخبارات العسكرية الصهيونية.
لكن ما ميّز هذا التصعيد لم يكن فقط عدد الطائرات أو الذخائر، بل نوعية الأهداف التي من بينها المفاعل النووي غير النشط في آراك، الذي يمثل نقطة حساسة في عقل طهران الإستراتيجي، وخطًا أحمر في مفاوضاتها مع الغرب.
في خضم هذا الهجوم، نشرت مجلة Foreign Affairs الأمريكية تحليلًا استراتيجيًا يشكك جذريًا في جدوى القوة العسكرية بمواجهة البرنامج النووي الإيراني، مؤكدة أن لا تل أبيب ولا واشنطن تملكان – رغم تفوقهما العسكري – قدرةً على تدمير المعرفة النووية أو تغيير النظام الإيراني أو حتى منع إيران من امتلاك السلاح النووي إذا قررت ذلك يومًا.
حين تقصف إسرائيل نيابة عن ترامب
يأتي هذا القصف، في ظل تدهور كل مسارات التفاوض النووي، ووسط تصاعد الجدل في مراكز الفكر الأمريكية حول أفضل السبل لكبح البرنامج الإيراني.
يرى كثير من الخبراء أن الاتفاق النووي لعام 2015 – الذي مزّقه دونالد ترامب في لحظة استعراض سياسي عام 2018 – كان الخيار الأمثل لمنع إيران من حيازة القنبلة النووية.
ورغم فوضى الحقبة الترامبية، إلا أن آثارها لا تزال واضحة، حيث تُنَفّذ تل أبيب اليوم ما يبدو أنه سياسة الردع بالنار، محاولة فرض السقف السياسي الذي أراده ترامب لأي اتفاق مستقبلي.
الضربة الأخيرة على مفاعل آراك، الذي تصفه طهران بخط أحمر، تندرج ضمن هذه السياسة.
الجيش الإسرائيلي ادّعى أن المفاعل – رغم كونه غير نشط – يمكن تفعيله لإنتاج البلوتونيوم، وبالتالي "كان لا بد من منعه" قبل تشغيله.
لكن هذه المبررات لا تُخفي الطبيعة السياسية للغارة، التي أرادت توجيه رسائل مركبة لإيران، بأن خطوطها الحمراء يمكن خرقها؛ ولأمريكا، بأن اليد الإسرائيلية يمكنها أن تقصف حيث تتلكأ الدبلوماسية.
آراك... ما وراء القصف
مفاعل آراك للماء الثقيل (IR-40)، الذي بدأ بناؤه في أواخر التسعينيات وتم تشغيله فعليًا عام 2009، يُعدّ من أكبر المنشآت النووية في إيران.
صُمم أساسًا لإنتاج نظائر مشعة لأغراض طبية، خاصة في علاج السرطان، لكن تصميمه يُتيح أيضًا إنتاج البلوتونيوم، المادة القابلة لصنع قنابل نووية.
وبسبب هذه الإمكانية، ظل هذا المفاعل محورًا دائمًا للتوتر بين إيران والغرب، وموضوعًا خلافيًا في كل جولات التفاوض النووي، حتى صُنّف رسميًا ضمن "الخطوط الحمراء" الإيرانية.
لكن القصف لا يُغيّر هذه الحقيقة ،فالمفاعل – غير النشط أصلاً – لم يكن يشكل تهديدًا آنيًا، كما أن إيران تدرك أن تشغيله في غياب التوافق الدولي سيمنح خصومها ذريعة أقوى ، الضربة الإسرائيلية بالتالي، كانت سياسية أكثر منها عسكرية، وهدفها ليس تدمير قدرة فنية، بل تحطيم رمزية، وتقييد موقف تفاوضي.
الحرب لا تدمّر المعرفة
تؤكد الأوساط الإستراتيجية الأمريكية أن الضربات الجوية لا توقف العِلم.
إيران تمتلك بنية تحتية بشرية وتكنولوجية متقدمة، ومنشآت بديلة يمكن إعادة بنائها بكل سرية وتحصين.
كما أن قرارها بامتلاك السلاح النووي – إن اتُّخذ – سيكون قرارًا سياسيًا استثنائيًا لا تحسمه الطائرات.
ولهذا ترى مراكز الأبحاث أن الاتفاق النووي – رغم كل نقائصه – يبقى الأداة الأنجع لإحتواء الطموح الإيراني، مقارنة بالمواجهة العسكرية التي لا تُنتج سوى الفوضى والتصعيد.
إسرائيل... من هواجس الوجود إلى حروب الاستنزاف
القلق الإسرائيلي مفهوم في سياق جيوسياسي تعيش فيه تل أبيب بين طوق من الصواريخ الإيرانية وأذرعها في غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن.
لكن الغارات لا تقدم حلولًا دائمة.
هي تُطفئ مؤقتًا جزءًا من النيران المتخيلة، لكنها تُشعل أخرى في الواقع، وتُدخل الإقليم في دوامة رد وردع لا تنتهي، دون أن تحسم شيئًا من جذور الصراع.
الهجوم على آراك – حتى وإن تحقق فيزيائيًا – لا يوقف روح البرنامج النووي الإيراني، ولا يُسقط مشروع إيران الإقليمي، بل يعزز من سردية "المظلومية العلمية" التي طالما اعتمدتها طهران لتبرير سياساتها أمام شعبها والعالم.
حين لا تُقصف الإرادة
إن حربًا على برنامج نووي لا يمكن أن تُكسب من الجو ،
وإيران اليوم، رغم الضربات، لا تزال تملك قرارها، وعِلمها، وشبكة منشآت تحت الأرض.
وإذا كانت واشنطن فعلاً تريد حلاً، فلن تجده في دخان المقاتلات، بل في اتفاق عقلاني يعالج الهواجس دون أن يُفرغ المنطقة من سيادتها.
أما إسرائيل، فإنها تُقصف كي تُقنع نفسها أنها تتحكم في المشهد، بينما الحقيقة أن النووي الإيراني لا يزال خارج مرمى النار، في انتظار قرار سياسي أكبر من كل الغارات.