218

0

الاسراء والمعراج.. موضوع خطبة الجمعة لنهار اليوم

تمحوت خطبة الجمعة لنهار اليوم 24 رجب 1446 الموافق 24 جانفي 2025، حول  موضوع، لإسراء والمعراج، حسب ما نشرته وزارة الشؤون الدينية والأوقاف. 

ماريا لعجال 

خطبة الجمعة وعبر كافة منابر الجزائر تحدثة عن الاسراء والمعراج خاصة، وجاء في نص الخطاب من الإمام الدكتور اسماعيل نزاي، كالتالي:

الخطبة الأولى: 
الحمد لله الكبير المتعال، أحمده سبحانه وتعالى في الحال والمآل، واستمدّ معونته على كلّ حال، واشهد أن لا اله إلّا الله وحده لا شريك له، في قرآنه المنزل على نبيّه المرسل أصدق من قال، وأشهد أنّ سيدنا وحببينا وعظيمنا محمدا رسول الله، أتانا في هديه بكلّ أمر ذي بال. 
اللهمّ صلّ وسلم وبارك عليه وعلى اله وأصحابه، ومن سار على نهجه، واتبع هداه إلى يوم الدين أمّا بعد:
معاشر المسلمين: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فهي الزاد ليوم المعاد، ومورد النجاة والفوز يوم التناد 
أيها المسلمون: إننا نقف اليوم مع رحلة ربانية أكرم المولى المتعال فيها سيد الرجال نبينا صلى الله عليه وسلم، وهي معجزة الإسراء والمعراج، ومحور الحديث عنها ومتّكأ إثباتها الوحي الشريف، لأنها من الغيب الذي يؤمن به المسلم ويذعن له. قال الله تعالى: {سُبْحَٰنَ اَ۬لذِےٓ أَسْر۪يٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلاٗ مِّنَ اَ۬لْمَسْجِدِ اِ۬لْحَرَامِ إِلَي اَ۬لْمَسْجِدِ اِ۬لَاقْصَا اَ۬لذِے بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنَ اٰيَٰتِنَآۖ إِنَّهُۥ هُوَ اَ۬لسَّمِيعُ اُ۬لْبَصِيرُۖ}(الإسراء: 1).
وفي الآية إشارة إلى أنّ هذه المعجزة إكرام من الله تعالى، وإعلاء لمقام نبيه صلى الله عليه وسلم، لأنها جاءت بعد معاناة وصبر على مكر العدوّ، وتحمل أذاه. كما أنّ الأحزان والآلام قد توالت عليه بفقد زوجه التقية النقية السند الداخلي له. والناظر في خاتمة سورة النحل يدرك حجم كيد العدو ومكره، ولقد سجّل القرآن ذلك في قوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِۖ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِے ضَيْقٖ مِّمَّا يَمْكُرُونَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ مَعَ اَ۬لذِينَ اَ۪تَّقَواْ وَّالذِينَ هُم مُّحْسِنُونَۖ}(النحل: 127- 128). ثم تعقُبها بداية سورة الإسراء بدعوة ربانية كريمة، واحتفاء سماوي، لم يُمكَّن منه نبيّ ولا رسول قبله، ليظهر مقام النبي صلى الله عليه وسلم، وأنّه مقام التشريف والتكريم والتبجيل والتعظيم، الذي حظي به نبينا صلى الله عليه وسلم .كما أنّ السورة قد انطوت على ذكر المقام المحمود : {عَس۪يٰٓ أَنْ يَّبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاما مَّحْمُوداٗۖ}(الإسراء:79).
 ليعلّمنا القرآن الكريم أنّ المِنحَ لا تكون إلا بعد المِحَن، وأنّ العطايا لا تكون إلا بعد الرزايا، وأنّ التمكين لهذه الأمة لا يكون إلا بعد الثبات على القيم، وتمسكها بدينها، ودفاعها عن عرضها وأرضها، وكلّ مقوّمات وجودها .
أيها المسلمون: إنّ هذه المعجزة تزيد في إيمان المسلم ويقينه، ولقد قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه عند سماع الخبر: " لئن قال ذلك لقد صدق، قالوا: وتصدِّقه؟! قال: نعم، إِنّي لأصدِّقه بما هو أبعدُ من ذلك، أصدِّقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سُمِّي الصدِّيق) رواه الحاكم بسند صحيح.
ومن جملة ما أكرم الله تعالى به نبيه في تلك المقامات أن فرض  الصلاة عليه وعلى أمته، وحيًا من غير واسطة، ليسمو شأن هذه الأمة بهذه العبادة العظيمة، التي تعدّ عروجا بالروح إلى بارئها، فلئن انتهت رحلة المعراج فإنّ عروج روح المؤمن وصلته بربه بهذه الصلاة ستظل قائمة تنير قلبه، وتشرح صدره، وتزكوَ بها نفسُه، ولقد ضاعف الله أجر القائم لها. قال النبي صلى الله عليه وسلم في مراجعته لربّه سبحانه: " فَرَاجَعْتُهُ ، فَقَالَ : هِيَ خَمْسٌ ، وَهِيَ خَمْسُونَ ، لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيّ"(صحيح البخاري). 
 أيها المسلمون: إنَّ الربط بيْن المسجد الأقصى، والمسجد الحرام في آية الإسراء دلالة واضحة على أهمّية المسجدين معا، وعلى أنّ التفريط في أحدهما تفريط في الآخر، وقد نوّه النبي صلى الله عليه وسلم بشأن هذه العلاقة في الحديث المتّفق عليه: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا". 
وفي الآية تنويه أيضا ببركة ما حاذاه وقاربه من الأرض والديار في قوله:{ اَ۬لذِے بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ}. ولهذه البركة أسباب، منها ما قاله الشيخ الطاهر بن عاشور: "وأعْظَمُ تِلْكَ البَرَكاتِ حُلُولُ النَّبِيءِ ﷺ فِيهِ، ذَلِكَ الحُلُولُ الخارِقُ لِلْعادَةِ، وصَلاتُهُ فِيهِ بِالأنْبِياءِ كُلِّهِمْ". وهذا فيه إشارة إلى استمرارها مع الإسلام وأهله، لا مع الصهاينة المعتدين واليهود الغاصبين.
ويظلّ موقع القدس يتخلل هذه الرّحلة المباركة  في كل مرحلة من مراحلها، فهي منزله الأول، ومقام إمامته للأنبياء جميعا، وموطن إعلان: أنّ الإسلام دين الفطرة، عندما خُيرّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  بين اللبن والخمر لشربه فاختار النبي صلى الله عليه وسلم اللّبن. وتظلّ مكانة الأقصى محورية في هذه المعجزة إلى آخر فصل فيها، ففي صحيح البخاري من رواية جابر رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُول: "لمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الحِجْرِ فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ المقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنظُرُ إِلَيْهِ". وهذه الصورة التي جلاّها الله لنبيه حول بيت المقدس لها رمزيتها ودلالتها، ليظلّ هذا المسجد المبارك صورة حيّة في قلب كلّ مسلم يستحضر من خلاله نزول نبيه صلى الله عليه وسلم فيه ،لتبقى أهميته الدينية والتاريخية قائمة إلى قيام الساعة، وأنّ الوصاية الشرعية للمسجد الأقصى المبارك للمسلمين لا لغيرهم،  وهذا يعكس العلاقة الدينية و الروحانية و العقيدة التي تربط المسلمين و الفلسطينيين بالمسجد ذاته، والأرضِ المباركة حوله من فلسطين. وهو ما يفسّر سلوك إخواننا المرابطين فيه، وفي أطرافه من أرض غزة وغيرها، وإصرارهم على حمايته بأرواحهم وبكلّ ما يملكون.
أيها المسلمون: إنّ الجزائريين أدركوا مكانة الأقصى على مرّ التاريخ؛ فكان لهم موجات من الهجرة إليه جهادا في سبيل الله لتحريره، وشدَّ الرّحال إليه لتعميره، وعقدا لحلق العلم فيه لنشره وتبليغه، ولهم فيه أوقاف شاهدة على ذلك، على غرار  زاوية أبي مدين الغوث في مدينة القدس.  وزاوية الأشراف في مدينة الخليل. والأراضي الزراعية والعقارات السكنية، وهي كثيرة في مدن فلسطينية عديدة. 
 ويعتبر  الشيخ أبو مدين شعيب (الغوث) من أوائل من لبّى النداء عندما استغاث صلاح الدين لتحرير ‏الأقصى وفلسطين من الاحتلال الصليبي،  وارتحل أبو مدين إلى بيت المقدس وساهم في إنشاء رباط للجنود. وشرّفه الله تعالى بقطع إحدى ذراعيه خلال المعارك الجهادية ودفنت بأرض بيت المقدس. 
أيها المسلمون: هذا الحبّ الكامن في أفئدة الجزائريين للأقصى وفلسطين وهواهم إلى بيت المقدس وأكنافه، لعلّ ما يفسره: هو بشارة النبي صلى الله عليه في حديثه بقوله: " لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ ‏لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ – أي أذى – حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ. ‏قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِس".‏ (قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني ورجاله ثقات).
أيها المسلمون: ستظلّ الجزائر بقيادتها الراشدة وشعبها الأبيّ شوكة في حلوق الأعداء والمناوئين، ويعدّ دعمها للأقصى ولفلسطين قديما بقدم هذه الاحتلال الغاشم الظلوم، فمع اندلاع حرب 1948؛ جرى تشكيل "الهيئة العليا لإغاثة فلسطين" التي ترأّسها الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله. وفي عهد الرئيس الجزائري الراحل هوّاري بومدين رحمه الله الذي عُرف بمقولته الشهيرة: "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة".
والجدير بالذكر أن الجزائر بقيت صامدة على مواقفها طيلة الحرب العدوانية على غزة الأبية  وبقيت متواصلة لحشد مساندة دولية واسعة لوقف العدوان ورفضت كل أشكال التطبيع والتمييع على لسان رئيس الجمهورية السيد عبدالمجيد تبون حفظه الله تعالى قائلا: “لن تبارك ولن تشارك في الهرولة نحو التطبيع" .
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من ذنب إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية: 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمّان الاكملان على نبي الرحمة ورسول الأمة وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
أيها المسلمون: إنّ هذه الرحلة العظيمة والآية الجسمية حملت إلينا دروسا كبيرة وعبرا هامة ترسيخا لعقيدة المسلم، وتثبيتا له، وتقوية لإيمانه، وهذا ما نستشفه من قوله تعالى: { لِنُرِيَهُۥ مِنَ اٰيَٰتِنَآۖ إِنَّهُۥ هُوَ اَ۬لسَّمِيعُ اُ۬لْبَصِيرُۖ}(الإسراء:1). ومن قوله تعالى: { مَا زَاغَ اَ۬لْبَصَرُ وَمَا طَغ۪يٰۖ لَقَدْ ر۪أ۪يٰ مِنَ اٰيَٰتِ رَبِّهِ اِ۬لْكُبْر۪يٰٓۖ }(النجم: 17- 18). وهو مقام يقتضي تعظيم الخالق سبحانه، وفيه إشارة إلى ثبات قلب المؤمن، وترك الزيغ وأهله.
كما أنّ المرائي التي مكّنه المولى سبحانه من رؤيتها، تنقل المؤمن من مجال التسلية إلى ميدان العمل والالتزام. فلقد رأى عاقبة المخالفين، ومن ذلك مارواه أَنَس بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "َلمّاعُرِجَ بِي، مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ" (أخرجه أبو داود وأحمد بسند صحيح).
فجمعت هذه المعجزة بين الجانب الإيماني والجانب العملي، ليتحقق من خلالها كمال شخص المسلم في إيجابيته بين الإيمان والعمل، وتتحوّل هذه المعجزات في قرارة نفسه من نصوص قرآنية وأحاديث نبوية يقرأها إلى حياة يتمثّلها وروح يعبّئها وأمّة يصنعها. 
هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين 
قال تعالى: {إِنَّ اَ۬للَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالِاحْسَٰنِ وَإِيتَآءِےْ ذِے اِ۬لْقُرْب۪يٰ وَيَنْه۪يٰ عَنِ اِ۬لْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِۖ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَّكَّرُونَۖ} (النحل: 90). 
الدعاء:
اللهم ثبت في الخيرات وطأتنا، واعقد على الإسلام قلوبنا، ونفّس بعد الموت كربتنا، وبارك لنا في مصيرنا، ومنقلبنا، يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك في وطننا هذا السلامة والإسلام وفي أرضنا هاته الأمن والأمان اللهم احفظ أرضنا وعرضنا من كل مكروه ومن كل فوضى وفتنة واقعة في زماننا، اللهم احفظ قادتنا وولاة أمورنا، واحفظ جيشنا وحدودنا، وأدم علينا الأمن والاستقرار، يارب العالمين 
اللهمّ احفظ أهل فلسطين والمسجد الأقصى من كيد الظالمين، والصهاينة المعتدين، وأيدهم بنصرك وقوتك.
اللهم إنا نستودعك بيت المقدس وأهل القُدس وكُل فلسطين، اللهُم كُن لهم عوناً ونصيراً يا رب العالمين.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services