31

0

إلى رفيقي سميح محسن....

بقلم جواد العقاد

هل تعلم ما الذي يُنقذ شاعراً من الاختناق؟

أن يشعر أن قلباً آخر لا يزال ينبض خارج قفصه الصدري... يشاركه النزيف دون أن يطلب جائزة على التضامن، ودون أن يهرب إلى تحليلات باردة ولا مهرجانات تتلو آيات التبرير.

رفيقي،

حين أكتب، لا أبحث عن مجاز، أهرب منه لأن الحقيقة باتت أقسى من الشعر، ولأن المجاز، رغم قدرته على التجميل، لا يستطيع أن يمنح طفلاً رغيفاً، أو يعيد لأمٍّ ابنها..

نعم، أكتب بالحبر الذي هو خليطٌ من دمي وألم شعبي،

وأنت تكتب بضميرك، بقلبك الممتدّ إلى غزة، فلا تخف من المكان، فالمكان لا يصنع الانتماء، بل الموقف يفعل.

كتبتَ لي فجراً جديداً من المعنى، وسط هذا الليل الممتدّ كعقوبة جماعية،

وكلما قرأتُ ما خطّته يدك، شعرت أنني ما زلت في المعركة، لست مهزوماً، ما دامت الأصوات الشاهدة لا تخرس،

ولا تساوم، ولا تزيّن الجريمة بقصائد مديح للجلّادين.

نحن يا رفيقي، نمارس أضعف الإيمان، أن نكتب، أن نشهد، أن لا نغادر ساحة الصوت، حتى حين يغادرها الجميع بحثاً عن "لحظة صمت فخمة".

هنا يا سميح، حيث أقيم على حافة الجوع، أُدرك أنّ كلّ كتابة لا تُغضب قاتلاً ليست كتابة، وأنّ كلّ شاعر لا يقف في مهبّ الريح عارياً، شاهراً صوته، لا يستحق أن يُقال عنه إنه شاعر.

أنا لا أنتظر قصيدة تنهي الحرب،

لكنني أنتظر صوتاً يشبهك، يحمل لي بعضاً من الدفء الإنساني في هذا الجحيم،

بعضاً من التواطؤ الجميل في مقاومة الحزن لا في تبرير الذبح.

أكتب إليك الآن من حيث لا لغة تتسع لهذا الخراب،

لكنني، رغم كل شيء، أؤمن أن الشعراء لا يموتون جوعاً.. ينبتون في الفقر مثلما ينبت الزعتر في حجارة الجدار.

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services