402
0
عندما تغتال الرصاصات عين الحقيقة: استهداف الصحفيين في فلسطين
.jpeg)
بقلم: د / سهير يوسف سحويل
عضو الشبكة العربية للثقافة والرأي والإعلام
في خضم الصراع الدائر في فلسطين، تتوالى فصول مأساة تستهدف جوهر الحقيقة ولبّ الرسالة الإعلامية. فبينما تتسارع الأحداث وتتفاقم الأزمات، يجد الصحفيون أنفسهم في مرمى النيران، ليس فقط كشهود على الأحداث، بل كأهداف مباشرة لسياسة ممنهجة تسعى إلى طمس الحقائق وإسكات الأصوات. إن استهداف الصحفيين في فلسطين ليس مجرد حوادث فردية، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى خلق "فراغ إعلامي" يسمح بتمرير الروايات المغلوطة وتغييب الصورة الحقيقية لما يجري على الأرض. هذا المقال يسلط الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة، ويكشف عن الأبعاد الحقيقية لاستهداف الصحفيين، وتأثير ذلك على حرية الصحافة وحق الشعوب في المعرفة، مؤكداً أن الحقيقة، مثل البريق اللامع، لا يمكن أن تُطمس بسهولة.
أرقام صادمة:
حصاد الدم في مهنة المتاعب تتحدث الأرقام بوضوح عن حجم الكارثة التي يواجهها الصحفيون في فلسطين. فمنذ السابع من أكتوبر 2023، ارتفع عدد الشهداء الصحفيين إلى أكثر من 244 صحفياً، وهي حصيلة مروعة تعكس حجم الاستهداف المباشر والمتعمد لهذه الفئة. لم تقتصر عمليات القتل على مناطق معينة، بل امتدت لتشمل مختلف أنحاء قطاع غزة والضفة الغربية، مستهدفة الصحفيين في ميادين عملهم، وفي منازلهم، وحتى في المرافق الطبية التي يفترض أن تكون آمنة. ففي حادثة مروعة، قُتل 4 صحفيين في استهداف مباشر لمبنى الطوارئ في مجمع ناصر الطبي، وهو ما يؤكد على غياب أي اعتبار للقوانين الدولية التي تحمي الصحفيين في مناطق النزاع. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي قصص حياة، وأحلام، ومستقبل لصحفيين دفعوا حياتهم ثمناً لنقل الحقيقة.
استهداف الإعلاميين:
رسالة واضحة لإسكات الصوت لم يكن استهداف عدد من الإعلاميين في 10 أغسطس 2025، والذي أودى بحياة خمسة منهم، بمن فيهم الصحفي أنس الشريف، والصحفي خالد المدهون، مجرد حادث عابر. بل كان رسالة واضحة ومباشرة تستهدف إسكات صوت إعلامي مؤثر، لطالما كان شوكة في حلق الاحتلال الإسرائيلي. هؤلاء الإعلاميون، وغيرهم من الشهداء، كانوا رموزاً للشجاعة والإقدام، يواصلون عملهم تحت القصف، وينقلون الصورة بكل تفاصيلها، متحدين بذلك محاولات التعتيم والتضليل. إن اغتيال هؤلاء الصحفيين ليس فقط جريمة حرب، بل هو محاولة يائسة لخلق "فراغ إعلامي"، يتيح لإسرائيل تنفيذ سياساتها على الأرض دون رقابة أو مساءلة. إن استهداف الإعلاميين، يؤكد على أن هذه الممارسات لا تستهدف الصحفيين الفلسطينيين فحسب، بل تستهدف حرية الصحافة العالمية برمتها.
عين الحقيقة:
محاولات طمسها وتحدياتهاإن استهداف الصحفيين في فلسطين يمثل محاولة صريحة لطمس عين الحقيقة وإخفاء الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني. فالصحفي هو الشاهد الأول، وهو من ينقل الصورة من قلب الحدث، ويوثق الانتهاكات، ويفضح الممارسات اللاإنسانية. وعندما يتم استهداف هذا الشاهد، فإن الهدف الأسمى هو منع العالم من رؤية الواقع كما هو، وتشكيل رواية أحادية الجانب تخدم مصالح الاحتلال. هذا الاستهداف الممنهج يؤثر بشكل مباشر على حرية الصحافة، ويخلق بيئة من الخوف والترهيب، مما قد يدفع بعض الصحفيين إلى التراجع عن تغطية الأحداث الحساسة، وبالتالي حرمان الجمهور من المعلومات الضرورية. ومع ذلك، فإن الصحفي الفلسطيني، رغم كل التحديات والمخاطر، يظل رمزاً للمقاومة الإعلامية، يطارد الخبر تحت القصف، ويواصل تغطيته رغم التهديدات المباشرة بالاغتيال، مؤكداً أن الحقيقة لا يمكن أن تُقتل برصاصة.
صرخة في وجه الظلم:
الحقيقة لا تموت في الختام، يظل استهداف الصحفيين في فلسطين وصمة عار في جبين الإنسانية، وجريمة حرب لا تسقط بالتقادم. إن هذا المقال، ليس مجرد كلمات، بل هو صرخة في وجه الظلم، وتأكيد على أن الحقيقة ستظل ساطعة مهما حاولوا طمسها. إن الصحفيين الفلسطينيين، بشجاعتهم وتضحياتهم، يسطرون أروع ملاحم الصمود، ويؤكدون أن الكلمة أقوى من الرصاصة، وأن عدالة قضيتهم ستنتصر في النهاية. إن واجب المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية هو التحرك الفوري لوقف هذه الانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين عنها، وتوفير الحماية اللازمة للصحفيين، لضمان استمرار تدفق الحقيقة، ولئلا تتحول فلسطين إلى فراغ إعلامي مظلم.