454

0

على رجاء الحرية

 

كتبت : هند شريدة

 عند باب الكنيسة، وقبل حلّ الشريط الأبيض، وكلّ زوجٍ يتحضر للاصطفاف بالترتيب تِباعا لدوره في العرس؛ أصاب (نيرفت) غصّة في صدرها، اغرورقت عيناها بالدموع، وأخذت تكافح لكي لا تبكي وتعكّر صفو زفاف طال كثيرا، وتعثرَ تأجيله مرات ومرات. لملمت جراحها وتماسكت. لم تشأ أن تصوّب الأنظار نحوها، همّها الوحيد في تلك اللحظة كان بِكرها (ابراهيم) وإتمام عرسه، وبَسْط الفرح وإشاعتها بين عموم الأهل والأصدقاء.، نرفيت الى يسار العريس ولكن والد العريس غائب بسبب الاعتقال الظالم، جلّ ما كانت تنتظره يومها، أن تشبك يدها بذراع زوجها، وتمشي معه برفق على أنغام أورغن الكنيسة، تتوسط الصف الأول أمام المذبح بالضبط، وتقابل أهل العروس على الدفّة الأخرى، بكامل هندامها وفرحها المؤجل الذي طال تسع سنوات بعينها. هذا ما حصل فعلا لنيرفت، لكن زوجها لم يكن معها، بل تأبطت ذراع نجليها (بيتر) يمنة و(ليث) يسرة، بينما كان زوجها الأسير مروان معدي (62 عاما) يجلس أعلى “برشه في معتقل ريمون، يضبط ساعته مطلقا العنان لخيالاته، وهي تتراقص في صحراء النقب فَرَحَاً وحَسْرَةً بحفل زفاف لم يحضره جسدا، بل استحضره روحا وفكرا ووجدانا. نيرفت طايع، امرأة فلسطينية من بلدة (الطيبة) شرق مدينة رام الله، سرق الاحتلال زوجها من بيتهم الكائن في قرية (جفنا) شرق بلدة بيرزيت، وتركها لتربي ثلاثة شباب وحدها. لم تكن تعرف وقتها كيف تبتاع أغراض المنزل، فقد كان (مروان) يقضي حاجات البيت كلها، ويأتيها بكل ما تحتاجه.

“في بادئ الأمر، لم تفهم الأمر”، تخبّطت كثيرا، ولم تعرف ماذا عساها أن تفعل. - "بعد الحكم على ابراهيم ثماني سنوات في الأسر، لم يكن أمامي أي خيار غير النهوض، ومتابعة كل شيء وحدي”، تقول (نيرفت).

ما بين المحاكم ومؤسسات الدفاع عن الأسرى، وباصات الصليب الأحمر وهي تشد الرّحال الى السجون في الرّابعة فجراً، والتفتيش المقيت، والتنقل بين سجن عوفر و نفحة وريمون، وشارات المنع الأمني، والزيارات الخاطفة التي لا يتعدى سقفها 45 دقيقة من وراء الزجاج والهواتف المشوشة، والسلامات التي وصلت والأخرى التي لم تصل؛ شبّ عود أولادي، حتى تخرّجوا من الجامعات. "جميع الترتيبات تمحورت حول حرية (مروان)، إلا أن بدّدت النيابة الصهيونية أحلام العائلة من جذورها” اقوال زوجة المعتقل مروان معدي، كَبُرَ (ابراهيم)، وهندَسَ موعد زفافه بعيد خروج والده من الأسر في عام 2021، جميع الترتيبات تمحورت حول حرية (مروان)، إلا أن بدّدت النيابة الصهيونية أحلام العائلة من جذورها، استأنفت على قرار المحكمة قبيل انتهاء المدة بشهرين فقط، فتبعثرت مآلاتها بالحرية، وعليه، رُفِعَ حكم (مروان) الى 22 عاماً، إضافة لدفع تعويض قدره 50 ألف شيكل (حوالي $US 14,000). كان لتمديد الحكم 14 عاما أشبه بمقصلة لهم جميعاً، وكأنهم مرّوا بتجربة اعتقاله ومحاكمته مرة أخرى.

ذات التوتر والقلق والحزن خيّم على الأُسرة من جديد، وعليها، أُجّل موعد العرس إلى أجل غير مسمى ريثما تمتص العائلة هول الصدمة.

-"هذا محتل فش عليه رباط”، تقول (نيرفت).

نغّص الاحتلال على عائلة (معدّي) فرحتها، ولم يكن هيّناً على (نيرفت) أن يتجدد الكابوس برمّته أمامها للمرة الثانية بحكم أعلى من قبل بنحو ثلاثة أضعاف، لكنها لم تسمح بالظلمة أن تتغلل بيتها. تقتبس غسّان بقوله: “لن تستطيعي أن تجدي الشمس في غرفة مغلقة”. على منوال كنفاني، سارت (نيرفت) برجاء “القنديل الصغير(2)”، لملمت الألم، وفتحت نوافذ روحها لاستقبال النور.

لم تسمح بأن يخيّم الحزن على فرح العائلة وأن يؤجّل العرس أكثر، وعقدت العزم على إقامته العام التالي، أي التاسع على اعتقاله. تهندمت، رتقت جرحها، وسارت نحو المذبح بشموخ وفخر. يقول الاب فراس عريضة، كاهن رعية الللاتين في جفنا انذاك، عن (نيرفت) أنها امرأة فلسطينية مناضلة بحقّ، ملتزمة بـ الأخوية المريمية، ومواظبة على المجيء الى بيت الرب، تحفظ أيام الآحاد والأعياد، تذكر (مروان) دوماً في جميع صلواتها، وتنير له الشموع على الدوام، وتصلي لصحته وطول أناته وقوّته. يتابع عريضة حديثه قائلا: “وراء كل رجل عظيم امرأة تقيّة، وهكذا (نيرفت) بالفعل”. أما (مروان)، فوصفه بالرجل البسيط والمحبوب، يعمل في إحدى مكاتب الأونروا، ويشارك كل عام في مهرجان المشمش في القرية.

يتابع عريضة قوله: “لقد عرفته زهاء أربع سنوات في الرعية، عهدته فيها قائد المجموعة الكشفية في (جفنا)، ومسؤول المقصف وقاعة الكنيسة. كان رجلاً ورعاً، لا يهادن، وصاحب كلمة الحق.” لقد حدث وزرته زيارة يتيمة بعد طول عناء وتنسيق، قبيل الفصح بأيام. كانت هناك مرة قبلها، استغرقت خمسة شهور من التنسيق والمماطلة، وصلت فيها بوابة السجن، فتّشت فيها تفتيش قاسٍ، وأجبرت فيها على العودة بإنجيل وقربانتين، كنت قد جلبتها معي خصيصا لإتمام سر القربان الأقدس معه.

عندما نجحت المرة الثانية، وانتزعت زيارة خاصة معه، صُدِمَ (مروان) عندما رآني، وساد بيننا صمت مطبق، تلعثم كثيرا، لم يستطع الكلام باستفاضة، واستعاض عنه بالبكاء والعناق. كان مشتاقا للجميع، لزوجته، وأولاده، للكشافة، للرعية، لكل كبير وصغير بالبلدة. ناولته جسد الرب، وشاركته المناولة بقربانه ثانية على مرأى السجّانين، واستمر يسألني عن حال الجميع، الكبير والصغير، وكيف أضحت قريته الحبيبة: (جفنا). كثيرة هي اللحظات التي مرّت على شريط ذكريات (نيرفت) أثناء قيامها بدور الأم والأب معاً.

من امرأة خام، تجالس الطبخة ريثما تستوي، الى امرأة صلبة، لم تكسرها الظروف، بل صنعت منها نسخة أكثر تماسكا وقوة، نسخة قادرة على شق عباب البحر والعواصف بإيمان ورجاء. “لم يكن سهلا على الإطلاق، كان عصيبا عليّ فترة اجتياز صغيري (ليث) الثانوية العامة، وقد كان جدّ متعلق بأبيه. لم أعرف مجاراة شاب في مثل عمره، بكل جوارحه واحتياجه العميق لأبيه، وما يعتمل روحه من “كابوس ليلة الصيف” تلك من عام 2012، حين جاء اللصوص وأخذوا مروان منا، لكني تعلّمت مصادقته حتى اجتاز المرحلة، ووثب كالشبل بعدها إلى الجامعة”، تقول (نيرفت). لا يخلو يوم عائلة (معدّي) من المنغّصات، فهم قلقون بشكل دائم على صحّة (مروان)، فقبل اعتقاله كان قد أجرى شبكية لقلبه، وما زال يحتاج الى فحص جهد سنوي. تقول نيرفت: “أخاف عليه كثيرا، خاصة في هذه الظروف، ووسط ما يعانيه الأسرى المرضى من إهمال طبي متعمد من قبل إدارة مصلحة السجون. أتساءل إذا ما كانوا يعطونه أدوية الضغط خاصته يوميا، لكني أهدئ من روعي وأوكل أمره وأمري وحال أسرتنا الى للرب يسوع المسيح، وأكمل يومي”.

أصبحت (نيرفت) جدة لطفلة علّمتها كلمة (سيدو) وهي تشير إلى صورة (مروان) المعلّقة في صدر البيت، لكي تألفه الصغيرة، وتعتاد على حفظ تاريخ عائلتها من جدّ يقبع في سجون الاحتلال، لجد أكبر استشهد قبلها، وسلالة عائلة مناضلة بأسرها. إيمان وصلاة خاشعة؛ تمشي (نيرفت) نحو غد ملؤه الرجاء بصفقة أسرى تعيد زوجها الى كنف العائلة، وتعيد معها قرابة خمسة آلاف أسير وأسيرة الى حضن عائلاتهم، يصبحون فيها قادرين على استئناف حياتهم، مثل أي عائلة طبيعية في العالم.


(1) البرش: سرير الأسير وهو مصنوع من الحديد، ويتكون من طابقين.

(2)القنديل الصغير: قصة أطفال للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني وهو أول عمل موجه للأطفال كتبه ورسمه غسان كنفاني، وحوّلة هذه القصة إلى أعمال مسرحية.

 

 


 

أبـطـال غــيـبـتـهم القضـبان المناضل الكبير الأسـير حاتم صادق القواسمة

(1980م – 2023م)

 

بقلم: سامي إبراهيم فودة

 

في حضرة القامات الشامخة جنرالات الصبر والصمود القابضين على الجمر والمتخندقه في قلاعها كالطود الشامخ, إنهم أسرانا البواسل الأبطال وأسيراتنا الماجدات القابعين في غياهب السجون وخلف زنازين الاحتلال الغاشم تنحني الهامات والرؤوس إجلالاً وإكباراً أمام عظمة صمودهم وتحمر الورود خجلاً من عظمة تضحياتهم, إخوتي الأماجد أخواتي الماجدات رفاق دربي الصامدين الصابرين الثابتين المتمرسين في قلاع الأسر, أعزائي القراء أحبتي الأفاضل فما أنا بصدده اليوم هو تسليط الضوء على رجال أشداء صابرين على الشدائد والبلاء, رسموا بأوجاعهم ومعاناتهم وآلامهم طريق المجد والحرية واقفين وقوف أشجار الزيتون, شامخين شموخ جبال فلسطين, صابرين صبر سيدنا أيوب في سجنهم, فمهما غيبتهم غياهب سجون الاحتلال الصهيوني وظلمة الزنازين عن عيوننا, فلن تغيب أرواحهم الطاهرة التي تسكن أرواحنا فهم حاضرون بأفئدتنا وأبصارنا وعقولنا وفي مجري الدم في عروقنا مهما طال الزمن أم قصر, عندما نستحضر صور هؤلاء الأبطال البواسل جنرالات الصبر والصمود ونستذكر أسمائهم المنقوشة في قلوبنا والراسخة في عقولنا ووجداننا لا نستطيع إلا أن نقف إجلالاً وإكباراً لهؤلاء الابطال الذين ضحوا بأجمل سنين عمرهم ليعيش أفراد شعبهم كباقي شعوب الأرض في عزة وحرية وكرامة, فأسرانا تاج الفَخَار وفخَر الأمة هم من قهروا الاحتلال الصهيوني بصمودهم وثباتهم, وأمام عظمة تضحياتهم لا يمكن لأي كلام مهما عظم شأنه أن يوافيهم ولو جزء بسيط مما عانوه, فمن حقهم علينا أن نستذكرهم ونذكر تضحياتهم وأسيرنا البطل حاتم صادق مصطفي القواسمة ابن الواحد والأربعون ربيعا ويقبع حاليًا في سجن عسقلان المركزي وقد أنهى عامه العشرين على التوالي في الأسر ويدخل عامة الواحد والعشرين في سجون الاحتلال الصهيوني..

- الأسير:- حاتم صادق مصطفي القواسمة

- مواليد:- 6/11/1981

- مكان الاقامة:-  خليل حارة الشيخ

- الحالة الاجتماعية:- أعزب

- العائلة الفاضلة:- تتكون عائلة الأسير حاتم من الأب والأم في ذمة الله وله 5 اشقاء منهم شقيق متوفي  و5 شقيقيات 

- المؤهل العلمي :- حصل علي شهادة الماجستير من جامعة القدس المفتوحة أثناء فترة اعتقاله داخل السجن

- تاريخ الاعتقال:- 26/1/2003

- مكان الاعتقال:- سجن عسقلان

- التهمة الموجه إليه:- مقاومة الاحتلال

- الحالة القانونية:- السّجن المؤبد 4 مؤبدات و(18) عاماً ،

إجراء تعسفي وظالم:- امعن الاحتلال الصهيوني في مواصلة إجرامه بحق الأسير حاتم بخصوص زيارة بحرمان كلا من أخت وأخ من أم ثانيه بحجة “المنع الأمني, والأسيرين حاتم وشقيقة حازم المحكوم بالسجن 25 عاما، فقدا والدتهما وشقيقهم أسامه القواسمة 37 عاما وهما رهن الاعتقال

- اعتقال الأسير:- حاتم القواسمة

تعرض الأسير حاتم خلال سنوات اعتقاله الطويلة إلى العديد من العقوبات والمضايقات وعزلة في الزنازين الانفرادية في ظروف قاسية دون أسباب وتحرمه من التواصل مع العالم الخارجي بمنع زيارة الاهل أو المحامين اثناء فترة اعتقاله كما هدم الاحتلال بيتهم وهو قيد الانشاء آنذاك أثناء اعتقاله

- الحالة الصحية للأسير:- حاتم القواسمة

الأسير حاتم أصيب بجراح في مواجهات هبة النفق في أيلول عام 1996 وظل من حينها يعاني آلاما شديدة في منطقة البطن قبل الاعتقال وقد تفاقمت هذه الآلام بفعل فترة الاعتقال الطويلة والعزل الانفرادي الممتد منذ ما يقارب الـ 150 يوما وقد أجرى ثلاثة عمليات اثنتين منها في مستشفى الرملة بعد اعتقاله وواحدة قبل اعتقاله

 

الحرية كل الحرية لأسرانا البواسل وأسيراتنا الماجدات- .الشفاء العاجل للمرضى المصابين بأمراض مختلفة

 

 


 

محكوم مدى الحياة.. والد الأسير سامي جمعة: ننتظر حريته كعيد لنا

 

تقرير: علي سمودي-جنين-القدس

 

على مدار السنوات الماضية، وقبل وخلال انتفاضة الحجر، لم يتوقف الاحتلال عن استهداف العائلة المناضلة التي قدمت كافة أشكال التضحيات عبر مسيرة النضال الفلسطيني، فتعرض الوالد للاعتقال، وعاش كافة الأبناء تجربة الأسر، واستشهد ابنها سامر برصاص الاحتلال، وما زال ابنها سامي جمعة حسن عوفة يقطن أسيراً للعام ال20 على التوالي، ورغم حكمه بالسجن مدى الحياة، لم تفقد الأمل بحريته واجتماع الشمل. إنها عائلة عوفة التي تنحدر من مدينة طولكرم، وتشكل نموذجاً للتضحية والبطولة التي لم تتوقف يوماً، فرب الأسرة السبعيني جمعة حسن عوفة، كانت له بصمات في زرع روح النضال والتضحية لدى أبناءه الذين حملوا الراية وتابعوا مشواره.

ويقول جمعة عوفة: "ما قدمناه واجب يقع على عاتق كل أسرة فلسطينية، فمن حقنا أن نقاوم ونرفض الاحتلال الذي اغتصب أرضنا وصادر حقوقنا، لنعيش بحرية وكرامة، لذلك تعرض للاعتقال في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وتذوق كل صنوف المعاناة من تعذيب ومعاناة رهيبة على مدار 3 سنوات".ويضيف: "كرمني رب العالمين بالحرية بعد سنوات الصمود والصبر، وأسست أسرة أفخر دوماً بها، فقد أدى جميع أبنائي الواجب وشاركوا شعبنا النضال والتضحية".لبت العائلة نداء الوطن في انتفاضة الحجر، فدفعت الثمن كما يروي المحرر الوالد أبو أمجد الذي يعاني من أمراض القلب والمفاصل، "فاعتقلني الاحتلال لثلاثة سنوات، وبسبب نشاطهما الوطني البارز في الانتفاضة الأولى اعتقل ابني أمجد وحوكم بالسجن الفعلي لمدة 5 سنوات، أما ابني حسن فبعد رحلة اعتقال وتعذيب ومعاناة مريرة استمرت خمسة سنوات في السجون، تحرر بعد إقامة السلطة الوطنية".ويضيف: "لم يتوقف الاحتلال عن استهدافنا طوال الانتفاضة، فاستشهد ابني سامر برصاص الاحتلال عام 1994، أما ابنتي ثريا فنجت من الموت بأعجوبة عندما أصيبت في تلك الفترة بعيار مطاطي بالرأس، وبرعاية رب العالمين كتب لها حياة جديدة".تحتفظ ذاكرة المحرر الستيني عوفة، بتفاصيل رحلة معاناة عائلته خلال اعتقال أبناءه، فقضى عدة سنوات على بوابات السجون، وعندما اندلعت انتفاضة الأقصى، أصبح ابنه سامي مستهدفاً، ويقول: "في مرحلة مبكرة التحق بصفوف حركة "فتح"، شارك في المسيرات والفعاليات ولم يتأخر سامي عن تأدية الواجب عندما دنس شارون الأقصى، فتقدم الصفوف في مقاومة الاحتلال الذي أدرج اسمه ضمن قائمة المطلوبين".ويضيف: "أفخر دوماً بمواقفه، فهو بطل ومناضل كرس حياته لمقاومة الاحتلال الذي تمكن من اعتقاله في 30-7-2004 في عملية خاصة، مارسوا بحقه كل أشكال التعذيب في رحلة تحقيق استمرت فترة طويلة حتى حوكم بالسجن مدى الحياة بتهمة الضلوع في عدة عمليات فدائية".تنقل الأسير سامي بين مختلف السجون خلال رحلة اعتقاله المستمرة للعام ال20 على التوالي، فصمد وتحدى الاحتلال وممارساته القمعية التي لم تتوقف بفرض كافة أشكال العقوبات بحقه من عزل وحرمانه من أبسط حقوقه واحتجازه في ظروف قاسية أثرت على صحته. ويقول والده المحرر: "لم ينال الحكم من معنوياته وإرادته، صمد وشارك في كافة معارك الحركة الأسيرة، فعاقبوه بالعزل الذي أثر على صحته، خاصة كونه جريح أصيب برصاص الاحتلال خلال مطاردته، وبسبب ظروف الأسر عانى من عدة مشاكل صحية في الخاصرة وأزمة في الصدر وضعف رؤيا في البصر، وأهملوا علاجه لفترة طويلة، وتمكنا من إدخال نظارات طبية له على حسابنا".

خلال الحديث عن أسيرها سامي، انهمرت دموع الوالدة الستينية أم أمجد التي تعاني من أمراض القلب والمفاصل، وتقول: "وجع الجسد مقدور عليه لكن الم وعذاب غياب ابني المستمر لا طاقة لي على احتماله أكثر، كل يوم يمضي وهو بعيد عني أشعر بالألم، ورغم زيارته بشكل منتظم، لا أشعر بفرح وسعادة".وتضيف: "حرمت الفرح على نفسي ما دام سامي خلف القضبان التي أتمنى من رب العالمين أن يمنحني القوة لأتمكن من تحطيمها وتكسيرها وإعادة ابني لأحضاني أي شريعة أو قانون يجيز لهذا المحتل ممارسة كل هذا الظلم بحقنا؟".ورغم مرض الوالدين، ومعاناتهم الرهيبة فإنهما لا يتأخران لحظة عن زيارة أسيرهما القابع حالياً في سجن "جلبوع"، وتقول والدته: "الزيارة اللحظة التي أعيش لها وتمنحني القوة للصبر والصمود، أعاني وأتألم كثيراً، لكن لن أتأخر لحظة عن رؤيته حتى لو ذهبت زحفاً على الأقدام، فبدون سامي أموت".وتضيف: "في كثير من المرات عاقبنا الاحتلال وكانت كل عائلتنا ممنوعه أمنياً، والاحتلال رفض منح تصاريح لإخوانه، وحالياً شقيقه أحمد لم يتمكن من زيارته منذ عامين، وأصلي لرب العالمين أن يكرمني ووالده بالصحة والعمر حتى نعيش فرحة العمر برؤيته حراً وزفافه".أما والد الأسير ، فقال: "عشنا حياتنا على بوابات السجون الإسرائيلية وبين القبور، حيث ابني الشهيد سامر، صبرنا وصمدنا ولم ولن نندم على ما قدمناه من تضحيات، وأملنا كبير أن تأتي اللحظة التي نعيش فيها حياتنا دون احتلال و سجون واعتقال".وأضاف: "معنوياتنا عالية ولكن وجعنا كبير، تزوج إخوانه وشقيقاته وأصبح لدينا 20 حفيداً، ومر بحياتنا 40 عيد، لم نعرف خلالها بهجة وفرحة العيد وكذلك رمضان، لغيابه عن منزلنا وحياتنا، وما زلنا نعيش بصبر ونصلي لرب العالمين لتتحقق أمنيتنا الوحيدة، وننتظر حريته كعيد لنا".الجدير ذكره، أن شقيقه أمجد تعرض للاعتقال وقضى 5 سنوات، بينما سرقت سجون الاحتلال 4 سنوات من عمر شقيقه أمجد، وكلاهما تحررا لكنهما عبرا عن حزنهما، "ففرحتهما ستبقى أسيرة ما دام سامي في السجون"، كما قالا.

 

 

 

"رنين القيد" في إربد

 

كتب :  حسن عبادي (إربد-حيفا)

 

بدايةً، اسمحوا لي أن أشكر القائمين على حفل الإشهار، فردًا فردًا، مع حفظ الألقاب. تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، يحلّق من خلالها ليعانق شمس الحريّة المشتهاة، حريّة مؤقّتة عابرة تمدّه بالأمل والعزيمة. لكلّ أسير قصّة وحكاية، ونحن في بلد المليون أسير، حكاياتهم وقصصهم كثيرة وعجيبة، ومنها ما تقشعرّ له الأبدان. في إحدى زياراتي لسجن ريمون الصحراوي حدّثني الصديق أحمد عارضة عن مخطوطة تخص عنان الشلبي (أعترف بعدم معرفتي به سابقًا)، فوعدته بمراجعتها حين استلامها والاهتمام بأمرها لترى النور بأقرب فرصة إذا وجدتها ملائمة لذلك.  حين وصلتني قرأتها بشغف، رغم سوء الخط، ووجدتها مغايرة، تواصلت مع أخي صالح حمدوني الذي عمل جاهدًا لتصدر هنا في إربد. تناول أدب السجون الفلسطيني في بداياته معاناة الأسرى والمعتقلين، وسائل التعذيب وبطولاتهم، محاولين أسطرة قضيّتهم التي هي قضيّتنا، ولكن مع مرور السنين بدأوا بكتابة من نوع آخر؛ بدأوا يحلّقون ويتناولون كافة المواضيع، مثلهم مثل غيرهم من الكتّاب، نثرًا وشعرًا، روايات وخواطر وأبحاث، توثيق وخيال وفانتازيا، ووصفته في حينه بأدب الحريّة، أو أدب السجون الحداثي، إن صحّ التعبير. آمنت بضرورة أنسنة قضيّة أسرانا، بالموازاة لمسار الأسطرة، لتحلّق بعيدًا وتصل العالميّة، وهذا ما وجدته في رنين القيد. تناول الكثيرون درب الآلام التي يعبرها ذوو الأسرى في رحلتهم السيزيفيّة للقاء فلذات أكبادهم، وطقوس الزيارة؛ المعاناة والذّلّ والإهانة عند الزّيارة، وقبلها، من إرهاق مادّي وتعب جسديّ، ومضايقات جمّة تصل حدّ التّفتيش العاري لأمّهات الأسرى وأخواتهم وبناتهم، ناهيك عن التحكّم الجبروتي المذلّ والإهانات والشتائم، والمنع الأمني الفجائي الأشبه بالحاجز الطيّار المقيت ووجع المعّاطة المهين، ومزاجيّة السجان المفرطة، والحرمان من الاحتضان والحنيّة. يبقى الأسير إنسانًا ذا مشاعر، بعيدًا عن البطولة والأسطرة، يحسّ ويتألم ويتجرّع كأس الحرمان ومرارته يوميًا، يحاول كبت تلك المشاعر الدفينة ساعة لقاء الأحبّة، يحبس الدمعة بين مقلتيه ليبدو بأحسن حلّة وحالة، يستجمع كلّ قواه وجبروته ليعبر درب آلامه تلك الخمسة وأربعون دقيقة، يستعجل الوقت ليهرب إلى خلوته وعزلته ويتحرّق ألمًا ووجعًا رغم محاولات السجان كبت تلك الأحاسيس وكيّها وصهرها محاولًا نزع إنسانيّة الأسير وتجريده من تلك الأحاسيس. "نعم، هاتان هما عرين وهديل"؛ ما أصعبها حين اكتشف عنان أنّه نسي ملامح ابنتي أخته رنين اللتين كبُرتا وهو بعيد عنهما. والله صعبة يا عنان!  صوّر عنان لقاءه بشقيقته الصغيرة، روان، التي ارتبكت حين ناداها، أزاحت نظرها خجلا وحياء لتطعن إنسانيّته في الصميم: "لا تستحي يا صغيرتي .... أنا أخوك ...لست غريبا"، صدمة مزدوجة لكليهما، دمعت عيناها وهي تصغي إلى ارتجاف صوت أخيها/ بطلها المحقون بالوجع الطارئ، نتاج محاولة تشويه المحتل للمشاعر من أجل تفريغ الأسير من إنسانيّته.

 

أبكيتني يا عنان!

 

 الكتابة خلف القضبان متنفّس لأسرانا، وهي ليست من باب الترف، واختراق كلمتهم للزنازين وأسوار السجون حريّة لهم؛ وكما تعلمون، هناك صعوبات جمّة في إيصال تلك الكلمة لتحلّق حرّة طليقة في سماء الحريّة. تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، عمل الجلاد دائمًا على كسر إرادة الضحية، لكن أسرانا أصرّوا على كتابة التاريخ بطعم الحريّة، رغم ألم الخسارات، والفقد، وقهر القيد، صمّموا على أن يكسروا روح العتمة ليقولوا للتاريخ، نحن هنا باقون. وها هو "رنين القيد" يرى النور ليصرخ عنان للتاريخ: أنا باقٍ رغم الجلّاد وقيوده. اصرخ عزيزي الأسير، لا تحبس دمعتك السخيّة، ذوّب ذاك الجليد الذي تلبّسك، ودَع دمعة من تحبّ تبلّل وتروي تربتك القاحلة والمتيبّسة. ليس من باب الصدفة أن يكون هذا الحفل في إربد، بلد أهل عنان المهجّرين، ليقولها بصريح العبارة: أنا هنا معكم وبينكم رغم القضبان ورغم أنف السجّان، وها هو بكتابه يتنفّس هواء الحريّة مع أهله في الشتات مبتسمًا ابتسامة منتفضة، منتشيًا جزِلًا راميًا عرض الحائط تلك القيود ليحقّق حلم الحريّة القادمة لا محالة. كلّي ثقة بأن عنان يحتفي اليوم مع زملائه الأحرار بحفل مولوده الأول "رنين القيد"، فكلمته الحرّة هزمت سجّانه وانتصرت على الأسلاك والقضبان والجدران والأسوار وها نحن نحتضنها بفخر واعتزاز. جئتكم من حيفا وأعالي الكرمل لأبارك لنا ولعنان هذا المولود، ونحتفل بين أهله الذي يشكّل شوكة في حلق المحتلّ. جئت حاملًا تحيّات وتبريكات الأصدقاء الأسرى بمناسبة إصدار الكتاب. وحاملًا باقات الورد والشكر لرابطة الكتّاب الأردنيين على احتضان المبادرة والحفل دون كلل أو ملل، وحاملًا باقات الورد وبرقية الشكر من الأسيرة مرح بكير التي التقيتها صباح الثلاثاء في سجن الدامون، باسمها وباسم زميلات الأسر، وكذلك تحايا زملائي في التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين، وتحايا زملائي في اتحاد الكتاب الفلسطينيين الكرمل 48. وأخيرًا؛ نعم، الحريّة خير علاج للسّجين. قلتها سابقًا: حريّة البلاد بتحرّر آخر أسير من سجون الاحتلال وصناعة تمثالًا للحريّة من كافّة مفاتيح الزنازين كما اقترح صديقي الأسير الحر معتز الهيموني. آملين بحريّة قريبة لك عزيزي عنان ولرفاق دربك الأحرار.

 

* مشاركتي في حفل "رنين القيد" للأسير عنان زاهي الشلبي الأحد الموافق 26 شباط 2023 في رابطة الكتاب الأردنيين/فرع إربد

 

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services