940
0
إعلان براءة

بقلم: علي البتّيري
- شاعر القدس -
حزني أمامي والجراح ورائي
أنَّى اتجهتُ وجدتُ بعضَ دمائي
الريحُ تعصفُ بي وتخلعُ خيمتي
وأنا خلعتُ على الرمال حذائي
وكفَرتُ بالريح التي سفكَتْ دمي
وبنارها حَرَقت خيوطَ ردائي
أنا لي بلادٌ شرَّدت أبناءها
وتصيحُ عند الهَجر يا أبنائي
ماذا أقولُ ودمعُ صمتي ناطقٌ
مِن دون أسماعٍ تحسُّ ندائي
لم يبقَ من وطنٍ سوى منفى يَرى
هَمِّي فيرثي حاله لشقائي
يا ويحَ مَن تَرَكُوا الغُزاة بدارنا
يتنعَّمون براحةٍ وهناءِ...
واستبدلوا حرباً بحربٍ بينهم
عُرفَت بحربِ الإخوة الأعداءِ
ناشدتُهم رُشداً فصمّوا سَمْعَهُمْ
فارتدَّ صوتي دامعَ الأصداءِ
وبكَتْ جراحي بينهم فتجمَّعوا
حولي ورملُ نعالهم بدمائي
وحسبتُ أن دواءَ جرحي عندهم
فوجدتُ أنهمو مصيبةُ دائي
حتَّامَ يوقعُنا مجانينُ الوغى
بجحيم فتنةِ فرقةٍ وبلاء
حربُ الطوائفِ أخرَسَتْ عُقلاءنا
لم يبقَ عند النطق من عُقلاءِ
بات الربيعُ خريفَنا وتساقطَتْ
أوراقُ عورتنا بدونِ حياء
ما عادَ يسترُنا سوى أكفاننا
فتدثَّري بالموتِ يا أعضائي
خجلَتْ بلادي من تعرِّي اَهلِها
في البرد يرتجفونَ دونَ غطاءِ
يا من يُغطِّي طفلةً محرومةً
من أهلها في عتمة الصحراء
في ساحة التاريخ صرنا فُرجةً
للناس صادمةً لعين الرائي
وبمذهبِ الإعلام بتْنا طُرفةً
لتندُّر الظرفاء والسفهاء
هذا يقول عروبة مجنونة
إسلامها في فُرقة وتنائي
ويقولُ ذاك رأيتُ أمّة يَعربٍ
تمضي برغبتها لشرِّ بلاء
عربٌ تَعَربدَ سيفُهم في لحمهم
وبيوتُهم باتت بيوتَ فناء
فعلى حوافر خيلهم دمُ مهجتي
وعلى جلود نعالهم أشلائي
أصبحتُ أخجل من فواجع أمةٍ
أكلت بَنيها دون أي حياء
هل نحن قومٌ أم جحافل فتنةٍ
ومحيطُ حقدٍ هاج بالخُصَماء؟
كلٌّ يريد الحُكمَ بعدَ دمارنا
أوَيحكمونَ مقابرَ الشهداء؟!
أم يحكمون خيامَنا وجياعَنا
ووراءهم شعبٌ من الغرباء؟!
عاثوا دماراً في الديار وأعدموا
أحلامَنا برصاصةٍ عمياء...
هذا جهادٌ أم خرابٌ ممعنٌ
في غيِّهِ من دونِ ما إبطاء؟
هذا دمارٌ شاملٌ في شامنا
وعراقنا حتى رُبى صنعاء
في كل أرضٍ جُرحُ قلبي نازفٌ
والسَّافكونَ دَمي بنو آبائي
هذا انتحارٌ واضحٌ يا أمتي
وقصيدتي باتت تودُّ رثائي
لم يَبقَ من لُغَتي سوى حرفٍ بكى
حزناً عَلَيَّ وفاضَ منه بكائي
الأمسياتُ غَدَتْ بيوتَ عزائنا
فلتصمتوا يا معشرَ الشعراء
فالصمتُ أبلغُ من كلامٍ دامعٍ
والموتُ أهونُ من جحيمِ بقاءِ